حجازي: لنمنحهما الفرصة لإخراجنا من وحل الانقسام
خضر عدنان ومحمد بوعزيزي
من بين مشاغلنا وهمومنا، وليس أقلها حتى المماحكات المترفة، بشأن إعلان الدوحة، الى الاشتباك العالمي اليوم حول الأزمة السورية، وحيث العالم يبدو كمن يبلغ في هذه اللحظة حافة الجرف، الهاوية السحيقة، فإن مواطناً فلسطينياً عادياً، لم يذكر له اسم من قبل في الأخبار، يدعى خضر عدنان ليس له سوى أب رائع، يقوم بدور شاهد العيان في قصته، هو الذي يستأثر اليوم، وينبغي ان يكون كذلك، بإعجابنا وتأثرنا، في المعركة، الحرب، الحسم العسكري، الذي قرر على طريقته القيام به في مواجهة هذه الحقارة منقطعة النظير، للاحتلال الإسرائيلي، الاحتلال الذي لا يقف ضده المجتمع الدولي وخاصة سوزان رايس والجامعة العربية، وقناة الجزيرة.
وحيداً كأبطال التراجيديا، يقرر خضر عدنان ان يلقي جثته أمام العدو، ليس مرتدياً حزاماً ناسفاً وإنما بجسده على طريقة غاندي، ولكن لم نذهب بعيداً الى غاندي، والشاهد الماثل أمامنا منذ عام، هو التونسي محمد بوعزيزي. ليموت الجسد اشتعالاً او عطشاً، او جوعاً، لا فرق، جيفارا في بوليفيا. إذا كان على الروح ان تسمو على الجسد وتبلغ المطلق. وقد كان ما يميزهم استثناؤهم، طبعهم النبيل المخالف للصواب، حيث يكمن في هذا الاستثناء تفوقهم.
وحيث فقط حين تغيب روح البطولة من العصر وفي الأدب، أدب ما بعد الحداثة، فإن هذه البطولة تستعيد ولادتها من جديد، في الواقع بصورة فردية في المناطق النائية من العالم. من التماهي مع العدالة المطلقة. بالضبط عند هذه المساحة الرقيقة والسرية الغامضة، التي تفصل بين الظل والخيال، والتي يتحدث عنها بابلو نيرودا. انهم أبطال مأساويون، لا يشبهون سوى أبطال شكسبير، والمسرح الإغريقي القديم، قد ينتهون الى الموت لكن هنا يكمن تفوقهم على أعدائهم كما على صواب المعايير الواقعية.
اتفاق الضرورة الآن
اللقطات الثلاث التي تكون المشهد
ورجلان استطاعا ان يحققا بينهما التوافق وتآخي المزاج، التآلف، التقارب، يحاولان تفكيك سلسلة حلقات الانقسام الواحدة تلو الأخرى، من اجل ان يلما شعث شعبهما في هذه اللحظة الحاسمة، على نار هادئة ولكن بتصميم وإرادة ومثابرة، وصولاً الى التغلب على الحلقة الأخيرة، التي روهن عليها بأنها العقدة، الحفرة التي سيقعان فيها. ولكن ياللمفاجأة فوجئ فصيلاهما والشارع، وكما كان الرئيس نفسه أبو مازن هو الحل العام 2003، باستحداث المنصب الوزاري الأول لدى السلطة الوطنية فقد كان هو الحل أيضاً في المرة الثانية، للتناقض. ألم يقل نابليون ان القائد هو الحل لكل التعارضات والتناقض؟
سمع صوت الصياح مرة أخرى، الهرج والمرج، كما في المرة السابقة، والمرة الأسبق تشكيكاً وحذراً. قالوا في المجلس التشريعي، كتلة "حماس" البرلمانية: ان هذا لعمرنا مخالف للقانون الأساسي ولقد فوجئنا، وقالوا في "فتح" انهم فوجئوا هم أيضاً ولكنهم يقبلون. كان الأكثر ذكاء هو اسماعيل هنية الذي أسرع كما فعل سلام فياض بمباركة الطبخة، الاقتراح الذي عرضه أمير قطر ووافق عليه أبو مازن وخالد مشعل. قال هنية الذي لم ينتظر ساعات في الدوحة للمشاركة في المراسيم الاحتفالية انه يباركه وحكومته في غزة جاهزة للتسليم، بفطنة ذكية ان يترك أمر الاعتراض لمن لم يتأخروا في شق عصى السمع والطاعة، قال عبد العزيز الرنتيسي في زمن سابق "السمع والطاعة لك يا أبا الوليد". ولكن الأكثر إدراكاً الذين تحدث هنري كيسنجر عن أقرانهم في سوريا هم هذه المرة بعض الأصوات التي اعتادت عقد المناحات، في مثل هذه المناسبات، الذين كان يسميهم عرفات "من يقولون كلمتهم ويمشون" في إشارة الى الفارق بين من يصنعون الأحداث ومن يثرثرون. ومن ضمن أولئك جوقة مجموعة من المحللين والساسة، وانضم اليهم مؤخراً بعض الأكاديميين من أساتذة الجامعات الذين أضيف اليهم صفة كتاب ومحللين سياسيين.
ما هو العامل المتغير الرئيسي والحاسم الذي جعل المصالحة، ممكنة في هذه الأيام انا لم اسمع أحداً ممن انبروا في التشكيك، بالاتفاق يتحدث عن هذه المسألة، لتأطير النقاش بصورة عقلانية او علمية، ان القياس الوحيد هنا حول مسالة غامضة، تتعلق بالنوايا وافتراض سوء النوايا قياساً على اتفاقات سابقة ولا سيما اتفاق مكة، دون أن يكلف أحد خاطره ان يقارن بين الظروف التي انعقدت في أثنائها تلك الاتفاقات. واليوم فهل نسي احد أننا كنا في ذلك الوقت منخرطين في احتراب داخلي، وكانت تلك الاتفاقات نوعاً من استراحة المحاربين وان هذا الاحتراب كان مدعوماً من قبل قوى إقليمية ودولية، وكان هناك في الساحة ممن كانوا على استعداد للرقص مع الذئاب.
ان أحداً من هؤلاء المتحدثين لم ينتبه في غمرة هذه الجلبة، التحول، في ترتيب الخبر الفلسطيني على مستوى أجندة الأخبار في قناة الجزيرة وحتى البي بي سي الى المرتبة الثانية بعد سوريا والى دلالة هذا المشهد ثلاثي الأبعاد في هذه القصة في اللقطة الأولى اصطحاب ولي عهد قطر الأستاذ خالد مشعل الى غداء ملكي في قصر العاهل الأردني الملك عبدالله. واللقطة الثانية أمير قطر في الدوحة والى يمينه ويساره الرئيس ابومازن مشعل للتوقيع على اتفاق تشكيل الحكومة الفلسطينية العتيدة، تفكيك الحلقة الأخيرة في الانقسام . ان ما يحدث في سوريا وقبل ذلك في مصر المحروسة، يفسر هذا التحول، ما حدث في القاهرة وقطر ولكن مع فارق ذي دلالة اهم بنظري اليوم هو تراجع الفلسطينيين من أن يكونوا هم من يعطي للتمثال ملامحه، يركبون المشهد العربي انطلاقاً من قضيتهم، الى ان اصبح اللاعبون العرب هم من يركبون المشهد الفلسطيني، قطر العظمى نموذجاً. وهذا التحول ليس ثمة وقت في هذه العجالة لمناقشته.
ان التوتر الحاد داخل "حماس"، التوتر الصامت والتاريخي، على خلفية التحول الى سلطة وقطع الحبل السري مع العذرية القديمة، وانسداد أفق المفاوضات مع اسرائيل، والإطاحة بنظام حسني مبارك في مصر تحديداً، كما توافق المزاج الشخصي بين الرجلين، والصراع المحتدم على إعادة تشكيل توازن القوى الجديد في الشرق الأوسط، ربما هي العوامل التي بمجموعها تسمح لنا بالقول الآن، ان اتفاق المصالحة بات ممكناً إذا كان توقيع الاتفاق في قطر يحمل دلالة واحدة ولكن حاسمة بالأخير، في الإشارة التي لا تخطئها العين، من ان الفلسطينيين يجب إدماجهم كجزء من التحالف الإقليمي الدولي في إطار الاصطفاف الكبير الذي ظهر تموضعه في اللقطة الثالثة، اجتماع مجلس الأمن الأخير بشأن الأزمة السورية. فهل أدركنا لماذا الاتفاق في الدوحة اكبر من كونه فلسطينياً او قطرياً، وقد تحول الى مصلحة إقليمية في هذا الاستقطاب لتشكيل توازن القوى الجديد في الشرق الأوسط. انه اتفاق الضررة الآن. ولذلك فهو الاتفاق الذي لن يولد ميتاً.