مَن يهدر فرص 'اتفاق الدوحة'؟!
للمرّة الثانية يتم تأجيل عقد اجتماعات الإطار القيادي لمنظمة التحرير الفلسطينية، الذي كان مقرراً في الثاني من شباط الجاري، ليؤجل إلى الثامن عشر منه، ليؤجل من جديد إلى الحادي والعشرين من الشهر نفسه، الموعد الثاني، 18/2/2012 كان أيضاً موعداً لإعلان تشكيل الحكومة الفلسطينية الجديدة من القاهرة، وفقاً لاتفاق الدوحة حول المصالحة الوطنية الفلسطينية، إلاّ أن كافة المؤشرات، تؤكد أن هذا الموعد، أيضاً، لن يتم احترامه، بل ليس هناك من موعد جديد محتمل، الأمر الذي ما زال يلقي بظلاله على جدية وإمكانية تحقيق ما تم التوافق بشأنه بين الرئيس عباس ومشعل في الدوحة، على الأرض، وزاد من التشكيك بهذه الجدية، هذا الجدل الصاخب غير المسبوق داخل حركة حماس إزاء الموقف من اتفاق الدوحة، وإعلان ياسر عبد ربه، أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، أن تشكيل الحكومة مرتبط بالإعلان عن موعد دقيق لعقد الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة، الأمر الذي يتطلب كما هو معروف ضوءاً أخضر إسرائيلياً، لعقد هذه الانتخابات في القدس، إضافة إلى أنه دون هذا الضوء الأخضر، هناك صعوبات جدية إزاء عقد هذه الانتخابات في الضفة الغربية.
المهمة الوحيدة للحكومة المرتقبة المشكّلة من مستقلين مهنيين، كما جاء في اتفاق الدوحة، هي عقد الانتخابات التشريعية والرئاسية وللمجلس الوطني الفلسطيني، وطالما هناك عقبات حقيقية مؤكدة تنتصبّ أمام عقد هذه الانتخابات، فما الحاجة إلى حكومة فقدت، قبل أن تتشكّل، أسباب وجودها؟! في حين لم تتمكن لجنة الانتخابات المركزية من القيام بعملها في قطاع غزة رغم عودتها إلى مقرها الذي كانت حركة حماس قد استولت عليه عندما تسلمت مقاليد السيطرة على القطاع، وفي ضوء عدم صدور مرسوم رئاسي بتحديد موعد ثابت لإجراء هذه الانتخابات، فإن الأمر سيظل رهناً بالتطورات الداخلية الفلسطينية التي لا تزال عند النقطة صفر من لحظة توقيع اتفاق الدوحة، إذ إن لم تتمكن أية لجنة من اللجان المنبثقة عن هذا الاتفاق من التقدم خطوة جدية واحدة باتجاه تنفيذ الاتفاق، بما في ذلك الملفات التي يمكن أن تكون أكثر سهولة كملف المعتقلين، وجوازات السفر، وعودة الصحف بين القطاع والضفة.
وفيما لو أمكن تشكيل حكومة توافق وطني من المستقلين المهنيين، نقول فيما لو، فإن هذه الحكومة لن تكون مؤقتة، إذا كانت مهمتها مقصورة على عقد الانتخابات، ذلك أن أمام عقد هذه الانتخابات العديد من العقبات الإسرائيلية والداخلية الفلسطينية كما لو أن أحداً لا يريد عقدها، وستظل مهمة هذه الحكومة، فيما لو تجاوزت الفصائل الفلسطينية حساباتها واشتراطاتها، وتم تشكيلها، ستظل تلاحق كيفية التغلب على العقبات الكأداء المنتصبة أمام عقد الانتخابات، وهو أمر أكثر صعوبة من ملفات المصالحة العديدة، كونها مرتبطة بشكل مباشر، لا يقبل الشعارات، بإسرائيل، اللاعب الأساسي في كل مجريات الأمور.
إن متابعة التصريحات وردود الفعل الفلسطينية إزاء اتفاق الدوحة منذ توقيعه حتى اليوم، تشير إلى أن الأمر يتطلب مصالحة داخلية لدى حركة حماس، لإطلاق عملية المصالحة الوطنية الفلسطينية، ولعل تصريح عزت الرشق، عضو المكتب السياسي للحركة حول 'تسريبات' عن خلافات داخل 'حماس'، والذي نفاها بشدة، يشير إلى حقيقة توجه وصدق نوايا القيادة الأولى في الحركة نحو إجراء مصالحة حقيقية وجدية وفقاً لتفاهمات الدوحة، إلاّ أن التصريح الذي تحدث عن تسريبات، تجاهل أن الأمر لا يتعلق بتسريبات بل بتصريحات على لسان قادة بأسمائهم، تارة حول عدم شرعية ازدواج الرئاسة ورئاسة الحكومة، وتارة أخرى حول أن اتفاق الدوحة يتجاهل الدستور الفلسطيني 'القانون الأساسي'، ومرة أخرى، 'أن الاتفاق يتجاهل الفصل بين السلطات، رغم ذلك يبقى لهذا التصريح قوة الدفع المطلوبة لإشارته الواضحة إلى أن إعلان الدوحة للتطبيق وليس للجدل والنقاش، وأن وجود أي ملاحظة عليه لا تقدم أو تؤخر ولا تغير من الأمر شيئاً'، إلاّ أن ما قيل عن اجتماعات مرتقبة لحركة حماس في الداخل والخارج سيناقش اتفاق الدوحة، الذي قال عنه القيادي البارز في الحركة محمود الزهار إن أحداً لم يأخذ رأي الحركة فيه، خاصة أن تسليم زمام الأمور لمحمود عباس، خطوة خاطئة، ما يشير إلى أن تصريح الرشق لم يؤد إلى وحدة الحركة حول هذا الاتفاق.
ونعتقد أن رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، خالد مشعل، قاد ولا يزال عملية مراجعة سياسية للحركة، أملتها تطورات المنطقة، والربيع العربي، وخصوصاً الثورة السورية وتداعياتها على الحركة بشكل أساسي، بالتوازي مع عملية مراجعة حقيقية أجرتها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، قبل الانتخابات التشريعية التي نجحت فيها، وبعدها، بالترافق مع سلسلة مراجعات أجرتها تيارات الإسلام السياسي في تونس وغيرها من البلدان العربية، ولعل خطاب مشعل في القاهرة، ثم عقد اتفاق الدوحة مع أبو مازن، الدلالة الحقيقية على أن هذه المراجعة داخل أطر حركة حماس، تأخذها قيادتها على محمل الجد، رغم تضاربات المواقف والتصريحات المتباينة، إذ من المعروف أن أي تجديد أو مراجعة، ليس من السهل تمريرها كونها تتخطى جملة من المفاهيم والتعبئة التي استمرت سنوات طويلة.
هل لاتفاق الدوحة خلفية دستورية يستند إليها، كلا بالتأكيد، شأنه شأن كافة التطورات السياسية الداخلية التي أعقبت سيطرة حركة حماس على قطاع غزة، إلاّ أن هذا الاتفاق يحظى وبالتأكيد بخلفية سياسية جدية، كونه يشكل اختراقاً حقيقياً للانقسام ويشكل مخرجاً من الأزمة، بما فيها التنكّر للقانون الأساسي الفلسطيني 'الدستور' من حيث إن مهمة الحكومة المؤقتة، محددة بإجراء الانتخابات، التي من شأنها، إذا ما عُقدت، أن تعيد للدستور دوره في تنظيم الحياة السياسية في مناطق السلطة الوطنية، كما أنها تشكل بداية لإعادة الاعتبار إلى ضرورة تصحيح مسار منظمة التحرير الفلسطينية، على الصعيدين، التنظيمي الداخلي والسياسي.
أما حول ما يقال عن أن ازدواجية المنصب، بين الرئاسة ورئاسة الحكومة، تشكل نقيضاً للفصل بين السلطات، وهو المبدأ الأساسي في الدستور الفلسطيني، كما في كافة الدساتير الديمقراطية، فهو حديث خاطئ تماماً، ذلك أن كلا المنصبين هما في إطار السلطة التنفيذية ولا تشابك بينهما، ويخدمان سوية توازناً وفصلاً في آن معاً السلطتين: التشريعية والقضائية، وإذا ما تحدثنا عن ازدواجية الرئاستين، وفي مسألة التفضيل الاضطراري، فهي في كل الأحوال أفضل من ازدواجية السلطتين، في قطاع غزة والضفة الغربية.
بات من الواضح من جملة ردود الفعل السلبية، من قبل بعض قيادات حركة حماس إزاء اتفاق الدوحة، أن الأمر بات يتطلب، كشرط لا بد منه للمضي قدماً في تطبيق الاتفاق، كما قال القيادي الرشق، وحدة حال حركة حماس واتخاذ موقف إيجابي من هذا الاتفاق، رغم الملاحظات عليه، ومع ذلك، فإن تجاوز المشكلات الحقيقية على الأرض، هو أكبر من أي اتفاق، إلاّ إذا خلصت النوايا والمقاصد، ونأمل توافرها!!.