آفاق الأزمة السورية!!

نجحت السياسة السورية في كسب الوقت والمماطلة، ومناورة الجامعة العربية، دون أن تتمكن تلك السياسة من حسم الوضع الداخلي، واستيعاب حركة الاحتجاج الشعبي الدامي في سورية. راهنت سورية ومنذ الأيام الأولى لبدء الأزمة، على أنه لا تدخّل خارجياً، معتمدةً بذلك على ثلاثة عناصر أساسية:

قوة النظام وتماسكه الداخلي، اعتماداً على شبكة من الأجهزة الأمنية، تلامس حياة الشعب كافة مدنيين وعسكريين على حد سواء.

تحالفها القوي بل والاستراتيجي مع روسيا وإيران، وعبر هذا التحالف، امتد النشاط الإيراني لجنوب لبنان وقطاع غزة في فلسطين.

عدم وجود جار لها يقبل، استخدام أراضيه لغزو أجنبي للأراضي السورية، إما لضعف تلك الدول، أو عدم استعدادها للدخول في اشتباكات عسكرية مباشرة مع السوريين المدعومين إيرانياً وروسياً في الآن نفسه.

عبر هذه المراهنة تشددت السياسة السورية، وناورت ولم تتراجع قيد أنملة عن سياسات الحسم الدموي ضد حركة الاحتجاجات الشعبية، بل تتالت نشاطاتها وتنوعت وطال أمدها، دون أي تدخل خارجي، أو محاولة جادة للتلويح بتدخل كهذا.

عبر هذا المسار الطويل والدامي، أخذت بعض المعارضة السورية، بالمناداة علناً وصراحة، بوجوب تدخل خارجي، الأمر الذي جعل من طرح كهذا، طرحاً إشكالياً داخل سورية بل وداخل المعارضة نفسها.

أضف إلى ذلك، أن حركة الانشقاقات المحدودة، داخل الجيش السوري، والتي انبثق عنها تأليف ما سمي الجيش الحر، بدأ بالإعلان صراحة، عن قيامه بعمليات عسكرية داخل سورية، وتأييد بعض المعارضة السورية له ولإعلاناته العسكرية، الأمر الذي أفقد التحرك الشعبي، بعده السلمي، وهو سر أساسي من أسرار استمراره وقوته.

لا تزال سورية حتى اللحظة تناور، وتدفع بالجامعة العربية، نحو الإعلان رسمياً عن مقاطعة سورية، وتحويل ملفها لمجلس الأمن، غير آبهة بتهديدات أمينها العام.

لا يوجد في الأفق ما يشير لإمكانية ما، لحوار وطني شامل تشارك به المعارضة والسلطة، بل المؤشرات كافة، تشير إلى قطيعة كاملة، من الممكن أن تدفع المعارضة والنظام والشعب السوري ثمنه غالياً.

في بنية النظام الأمنية ـ العسكرية، ما يجعل خيار النظام، خياراً دموياً، والمراهنة على طي صفحة المعارضة، لحساب استمرار النظام.

لا يزال النظام، من خلال قوته الداخلية، وتمكّن أجهزته من التحكم بمقاليد الأمور، ينتظر لحظة انهيار المعارضة، واستعادة السيطرة الكاملة، ومن هنا تأتي رؤية النظام لما يدور وكأنه معركة وجود أو لا وجود. لا هوادة فيها ولا تراجعات.. أمام مطالب الشعب، أو محاولات التوفيق العربية.

المعارضة السورية، بقوامها الأساسي، تمانع في إجراء حوار داخلي شامل برئاسة الأسد نفسه، فهي لا تثق بالنظام، ولا تراهن على أقواله.

والنظام في حقيقة الأمر، لا ينظر للشعب السوري، باحترام يذكر، تماماً كما حدث في ليبيا.. فالشعب هو الرعية، والنظام هو الراعي. النظام يقوم على مبدأ توارث السلطة لا تداولها، وعلى تحكم العائلة بالحزب، والحزب بالشعب كلّه. وهنا لا معنى للتعددية سوى الإطاحة بنظام الحكم ذاته.

آفاق الأزمة، تكمن في استمرارها، وتحقيق المزيد من الاستنزاف الداخلي، دون حسم للأمور.

بعض المعارضة تحول إلى جزء من الأزمة السورية ذاتها، خاصة فيما يتعلق بالدعوة إلى تدخل خارجي، إضافة لعمليات جيش سورية الحرّ العسكرية؟!.