الشرق الأوسط تاريخ يعيد نفسه !!!
نحاول من خلال هذه المقالة أن نناقش النظرة الغربية للشرق الأوسط على مدار قرن ونيف من الزمن ، وكيف اختلفت تلك الرؤى المتعددة شكلا والمتفقة مضمونا في ظل غياب أو ضعف المحاولات العربية على خلافاتها واختلافاتها في خلق ندّية اقتصادية تقود إلى وحدة سياسية سواء على أساس ديني أو قومي ، ونطرح أسئلة وتساؤلات حول ماهية وأهداف المشاريع الغربية التي تحمل اسم الشرق الأوسط بشكل حالم متفقة مع ما كان يسمى سابقا " بالرسالة الحضارية للأستعمار" !!!
من المؤلم القول انه لم يكن للشرق أوسطيين أي دور في تسمية ربوع بلادهم في عالم الجيوبولوتيك ، فأول استخدام تاريخي للمصطلح وجد في مذكرات ثيودور هيرتزل ضمن تصوراته عام 1897 حول إقامة دولة يهودية في هذه المنطقة التي كان الاستعمار القديم ينظر إليها باعتبارها مستعمرات متناثرة اشترك فيها العثمانيون القادمون إلينا بعباءة الإسلام وصفة الاستعمار ، كما استخدمه للمرة الثانية ضابط البحرية البريطاني الفريد ماهان عام 1902 ونقله عنه الصحفي في صحيفة التايمز اللندنية فالنتاين شيرول عام 1903 ضمن سلسلة مقالات بعنوان " المسألة الشرق أوسطية "
في هذه المرحلة كان الاستعمار الأوروبي ينظر إلى الشرق الأوسط باعتباره " مكبّا للنفايات السياسية " ، فعندما أخذت فكرة إقامة دولة يهودية بالتبلور تعمل على جمع يهود العالم - وتحديدا يهود أوروبا - كانت أوروبا تتحدث عن واحد من بلدين بعيدين وفي نفس الوقت تابعين هما أوغندا الإفريقية والاوروغواي اللاتينية ، وبعدما رفضت الحركة الصهيونية هذان العرضان معللة السبب بغياب الدافع والمحفّز ليهود العالم للقدوم إلى هاذين البلدين طرحت فكرة ارض الميعاد وما ارتبط بها من فكرة لصيقة هي " ارض بلا شعب لشعب بلا ارض " متزامنة مع اتفاقين مريبين ، سايكس بيكو عام 1916 الذي قسّم المنطقة الى دويلات على الرغم من كونها دولا بلا سيادة باستثناء اليمن الشمالي المستقل عام 1911 ، ووعد بلفور عام 1916 الذي أعطى بموجبه الانجليز وعدا لليهود بأقامة دولتهم في فلسطين بعد رفض الصهيونية لدولة يهودية في افريقيا او في القارة اللاتينية .
و بعد اكتشاف مخزون النفط الهائل في الشرق الأوسط تعزز الاقتصاد متحالفا مع الاهمية التجارية والجيوبولوتيكية ليعطي للشرق الاوسط بريقا لماعا ويسيل لعاب الاستعمار المنظم خاصة بعد كسب الحلفاء للحربين العالميتين الاولى والثانية ، تغيرت بموجب هذه المرحلة الادوار الطبيعية للدول الوليدة حديثا بما فيها إسرائيل التي عينت حارسا على " ممتلكات" الغرب في منطقة الشرق الأوسط ودخلت الأفكار والإيديولوجيات كسلاح فعال ضاعت به ومعه الإمارات و المشيخات العربية، حتى من اختار عالم عدم الانحياز انساق الى شبه الفكرة في مواجهة الفكرة التي بدورها كانت أداة لتعزيز مكاسب الاقتصاد الغربي وتحقيق الهيمنة المطلقة على منطقة القبيلة السياسية المرتبطة بالغنيمة سابقا على رأي الجابري مع استبدال العقيدة الدينية بعقائديات من قبيل القطرية والقومية وحتى الاسلاموية التي هي بدورها و بمجموعها قد تعبر عن حالة التمدد في العقيدة وفي حالات عن تناقضها نظرا لكثرة التأويلات للنص الديني الثابت في أصله والمتحرك في تفسيره .
وعلى الرغم من وجود البذور الفكرية والإيديولوجية للحركة القومية العربية أواخر القرن التاسع عشر والاسلامية في فترة سابقة أخذت صفة التمدد والامتداد مرتبطة بالدولة الإسلامية الأولى وما تلاها من دول تعددت وتقاتلت فيما بينها الا انها كانت تعبير عن دولة المسلمين بأبعادها السياسية والاقتصادية وحتى الحضارية والثقافية ، اما الفكر القطري او الوطني الوليد مع ولادة الدولة العربية فهو اكثر ارتباطا بالدور الوظيفي للدولة العربية المستقلة حديثا - بعد الحرب العالمية الثانية - ، فبعد انتصار الناصرية في معركة التأميم ثم العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وهي ذروة انتصار القومية العربية التي تراجعت في العام 1961 بفشل الوحدة المصرية السورية ، جاءت هزيمة عام 1967 لتدخل القومية العربية في حالة موت سريري ،بعثت الحياة من جديد في الاصولية الاسلامية متزامنة مع حالتين ، وهما حجب العربية السعودية للنفط عن العالم الغربي في حرب 73 ،والمال السياسي المتدفق للحركات الاسلامية مع تدفق النفط ،
أصبح الغرب يستخدم كل هذه القواعد الفكرية لضرب وغربلة بعضها ببعضها ، قومية صدام لضرب قطرية الكويت ، ثم الانتصار للكويت " الجريح" و" حمايته من براثن اخيه القومي" ، وان كان الأمر عميقا بقدر الرغبة الأمريكية بالقول اننا دخلنا مرحلة تثبيت القطرية للقضاء على فكرة القومية وافراغها من مضمونها القيمي حتى لا يحدث في بلاد العرب ما احدثه بسمارك في المانيا عام 1871 عندما وحّد الولايات الألمانية المتناحرة بالقوة وعلى أساس قومي ، بعد هذه المرحلة المفصلية في تاريخ العرب الحديث وبعدما تم للغرب مبتغاه في تثبيت القطرية العربية وتشجيعها شهد العقد الأخير من القرن الماضي تفتيت القطرية كمشروع سياسي اقتصادي مرتبط بعقيدة الهيمنة والتطفل ، ومطورا نفسه في مشاريع عملاقة وبعيدة المدى تعتمد السير ببطء ولكن بثقة كمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يقوم على أساس التفكيك وإعادة البناء ومشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يتمحور حول فكرة إعادة صياغة سياسية تعطى فيها إسرائيل دور القائد ، وان كانت أقلام عربية كثيرة تناولت فشل المشروع الأمريكي إلا أن المرحلة الحالية تؤكد ان هذا المشروع لم يتوقف عند الحدود والأهداف التي رسم من اجلها بل تمدد إلى ابعد من ذلك ، حيث نجد هذا التمدد في الخارطة الجديدة للشرق الأوسط التي تقتسم اجزاءا من دول لتضيفها لأخرى ، وتنشئ لأقليات محددة دولا أو دويلات ، تتمدد في هذا الشروع دول وتنحسر أخرى ، وكأنه سايكس بيكو جديد ليعيد التاريخ نفسه بعد ما يقارب القرن من الزمن يبقى العنوان واحدا تقسيم المقسّم وتجزئة المجزء
ولكن السؤال يكمن في ماهية هذا المشروع وهل هو مشروع أمريكي بالمطلق أم مشروع أمريكي يأخذ بعين الاعتبار المصالح الاثنية والطائفية في المنطقة ؟
إن هذا المشروع هو حالة تناص والتحام بين المصلحة الأمريكية المطلقة في تكوين دويلات جديدة تخدم المصلحة الأمريكية مع شراكات مهمة كإسرائيل وقطر اللتان تقومان بدور حيوي في المنطقة مع حالة الترهل السياسي في الجسد العربي ، ومن معالم التمدد في هذا المشروع اختلاف أدواته ، فالحكم الرشيد والانتخابات الحرة وعمليات الإصلاح السياسي وحقوق المرأة وغيرها من الأدوات اختلفت بل تبدلت كليا لتستخدم وتوظف بها انجازات الشعوب العربية على قلتها وتعود المصلحة الأمريكية للانتصار من جديد حتى على إرادة الشعوب العربية في التغيير .