قمة بغداد وتوقعات بائسة
تكاد تنحصر أهمية القمة العربية الاعتيادية، المنعقدة في بغداد، في أمر واحد، وما عداه ليس أكثر من مقاربات نظرية لتشخيص التحديات الماثلة أمام العرب. هذا الأمر هو "تطبيع" علاقات الحكم في بغداد، في أعم العموم، مع سائر حلقات النظام العربي، وهي علاقات توترت ليس لكون النظام العراقي الراهن، هو نتاج غزو أمريكي، وإنما للطبيعة التي تبدت لهذا النظام في ناظر أقطار الخليج، وما يختص منها بالعامل الإيراني.
النظام الذي يقف على رأسه نوري المالكي، يواجه ردود أفعال عراقية داخلية على سلوكيات تنم عن نزعة طائفية، تتغذى من خلفية أيديولوجية سياسية. فالرجل كان من أبرز ناشطي "حزب الدعوة" بل هو من الجناح الذي عبر عن خصومة لا تقتصر على الحكم السابق بقيادة صدام حسين، وإنما تتعداها ـ حسب آراء مشاركين ف ما يسنمى "العملية السياسية" في العراق، الى موقف سلبي لافت، من المكوّن السُني في المجتمع. لم يتلق المالكي في حياته تعليماً سوى أصول الدين على المذهب الشيعي، مع اللغة العربية. وكان المُشرف المباشر، على نشاطات عمل الخلايا السرية داخل العراق، في عهد صدام حسين، ولم يدخل السياسة، بمعناها التقليدي، إلا من بوابة الأمريكي بول بريمر، الذي اختاره عضواً في "مجلس الحكم العراقي" الذي ترأسه.
ملف سوريا النازفة، لن يلقى علاجاً في قمة عربية يترأسها المالكي، الذي عاش حياة المنفى بين سوريا وإيران. وتتزامن القمة، مع سياق خطة كوفي عنان الباهتة بشأن سوريا، والتي هي نتاج توافق روسي أمريكي، لذا فمن المؤكد أن تبارك القمة خطة عنان، دون زيادة عليها لمستزيد.
* * *
تنعقد القمة، في ظل تغيرات بنيوية جارية في العالم العربي، وبدء ظهور معطيات جيو ـ سياسية جديدة، وانفجار شبابي لم يعد بالإمكان معه، الرضوخ لواقع الدكتاتورية والبؤس والفاقة. وقد بات العرب أمام تحديات جسيمة، تفرض عليهم الذهاب الى المستقبل متكتلين، بتبني استراتيجية الحد الأدنى للعمل العربي. ولعل هذه هي أبرز المقاربات النظرية، التي أعدت بشأنها دراسات ناقش بعضها مجلس جامعة الدول العربية الاقتصادي والاجتماعي. لكن مكان انعقاد القمة، ومستوى تمثيل الأقطار فيها، لا يبشران باحتمال اتخاذ قرارات حاسمة وجدية بشأنها، وسيقتصر أمرها على إشارات في البيان الختامي، الى ما ينبغي عمله، في زمن غير معلوم وبآليات غير معلومة!
هناك مسائل ملحة، إن كانت تتعلق بكوارث ما تزال جارية في سوريا واليمن والسودان وليبيا، واضطرابات في البحرين، وتوترات مع إيران، وانسداد أفق في فلسطين وعربدة إسرائيلية تدعمها الولايات المتحدة؛ أو كانت أزمات تلوح في الأفق، على مستوى مقومات الحياة نفسها، كالغذاء والماء (13 دولة عربية تعامي من الشُح في المياه) وكل هذه المسائل تتطلب استراتيجية عمل عربي، لن تحققها قمة كل همّها التأكيد على جدارة النظام في العراق باحتضانها، وإعادة العرب الى بغداد، بعد تأجيلين لميعادها، منذ آذار (مارس) من العام الماضي.
ومن المفارقات، أن النظام العربي، الذي أحكم الحصار على عراق صدام حسين، لكي يسهل غزوه واحتلاله وإقامة نظام بديل له؛ بات يعاني من النظام الحالي على صعيد جوهر المسائل والأخطار، لا على صعيد فروعها وقشورها. وبات العراق، وهو من البلدان المؤسسة لجامعة الدول العربية، في مربع الشكوك العربية على صعيد ولاءات الحكم فيه، كما أن مفاعيل هذا الحكم، في الحياة اليومية، تغذي هذه الشكوك وترفعها الى مستوى اليقين. لذا كانت بغداد المالكي و"حزب الدعوة" حريصة على استعادة دور العراق في جامعة الدول العربية، وإن كان بمنطق آخر وبنوايا لا تساعد على صياغة استراتيجية عربية لمواجهة التحديات!