قمة أمنية في بغداد

rajab_Abu_Sirriyeh_inside

في إطار من الإجراءات الأمنية غير العادية ستعقد القمة العربية الدورية في بغداد، بعد يومين، وذلك نظرا لما يشهده العراق منذ نحو تسع سنوات من وضع امني أقل ما يقال فيه إنه غير طبيعي، فعلى مدار تلك السنوات، لم ينجح الاحتلال الأميركي ولا الحكومة العراقية التي أقيمت بعد سقوط نظام صدام حسين عام 2003 لا في إعادة البلاد إلى سابق عهدها ولا في تحسين مستواها من كافة النواحي , ولعل الوضع الأمني المتردي باستمرار خير شاهد على ذلك .

وحيث إن هذه القمة التي تعقد سنويا في البلاد العربية بالتتابع من حيث الأحرف الأبجدية كان يجب أن تعقد في العراق قبل بضع سنوات، إلا أن الجامعة العربية لم تشأ عقدها في بلاد كانت محتلة، ولم توافق إلا بعد أن انسحب الأميركيون _ رسميا منها _ قبل نحو عامين، إلا أن الحالة الأمنية ما زالت تحيط القمة المنوي عقدها بهالة من الظلال التي لا شك أنها ستؤثر على طبيعتها وعلى قراراتها وحتى على فاعليتها .

ولم تنجح في أبعاد هذه الظلال عن القمة كل المبالغ الطائلة التي صرفتها الحكومة العراقية نحو 450 مليون دولار أميركي لتأهيل البنية التحتية للقمة وتوفير الاحتياطات الأمنية، وخير دليل على ذلك مستوى المشاركة في القمة , حيث أن الأنباء تشير إلى أن اقل من نصف القادة العرب سيشاركون فيها , وحتى أن هناك مصادر إعلامية أشارت إلى ترتيب غريب من نوعه , حين قالت بان المستوى الأول الذي سيشارك في القمة _ الملوك والرؤساء والأمراء _ سيقيمون في الكويت على أن تنقلهم إلى مكان الاجتماع طائرات خاصة يوميا , فيما ستقيم الوفود من وزراء ودبلوماسيين وصحافيين في المنطقة الخضراء، أو في القصر الجمهوري الذي كان قد شيده أخر ملوك العراق فيصل الثاني منتصف خمسينيات القرن الماضي ولم يسكنه قط , فيما تحول إلى مقر للسفارة الأمريكية بعد سقوط نظام صدام حسين!.

الحكومة العراقية منحت العراقيين أجازة لمدة أسبوع , لإغلاق المنطقة بالكامل , وحشدت أكثر من مائة ألف رجل لحماية القمة من التفجير , أو من محاولات مس المشاركين فيها .

في قراءة أولى ورغم تقديم الحكومة العراقية " تنازلات " لبعض الدول العربية حتى تشارك في القمة، فإن حضور أقل من نصف القادة العرب , يدل على المكانة التي وصلت إليها العراق التي كانت تعدّ من الدول المحورية والمركزية في العالم العربي، إلى أن سقط نظام صدام حسين , وتشير التقديرات إلى أن دول الخليج باستثناء الكويت لن تشارك بملوكها وأمرائها، كذلك دول المغرب والجزائر والأردن وسورية طبعا، حيث لم تتقدم الحكومة العراقية بالدعوة لا للنظام السوري ولا للمعارضة السورية، رغم ذلك فان الملف السوري سيكون واحدا من أهم الملفات التي ستناقشها القمة!.

طبعا هناك ملفات فلسطين واليمن وكذلك ملف ما يسمى بمكافحة الإرهاب ستناقش في قمة ربما تنعقد على عجل وبحكم الواجب، وفي ظل رئاسة رئيس ووزير خارجية ليسا عربيين، غير عربية للقمة ظاهرة تسجل لأول مرة، وحتى أن الرئيس العراقي جلال طالباني قال بأنه تكفي جلسة واحدة أو جلستان لمناقشة بيان القمة الذي عادة ما يعده وزراء الخارجية العرب، في محاولة ربما لطمأنة القادة العرب المتوجسين من حضور القمة في بغداد، خوفا على سلامتهم الأمنية .

رغم كل هذه الحالة الأمنية وتبعاتها وتأثيراتها على قمة بغداد، إلا أنه لا يمكن القول بأن أسباب انعقاد قمة بغداد على هذه الدرجة من قلة الأهمية لا يعود أيضا لأسباب سياسية، فما زال العراق لم يحقق مصالحته الداخلية بعد، وما زال بعيدا عن الحضن العربي، وذلك يعود لسببين: الأول هو أن التغيير الذي حدث قام بإحلال هيمنة طائفة السنة بهيمنة طائفة الشيعة، ولا يمكن إخفاء ما يتعرض له السنة العرب من تهميش وحتى اضطهاد، حيث لم تنجح كل محاولات الترتيب الطائفي في عهد ما بعد صدام حسين، وخاصة في ظل حكومتي نوري المالكي في خلق حالة توافق مقبولة على مكونات المجتمع العراقي كافة، وهذا يؤثر على علاقة العراق بمحيطه العربي، وعلى البعد العربي ـ السني لبلد كان يشكل بوابة العرب الشرقية، والثاني تواشج علاقة العراق الحالي بكل من إيران وسورية والتي لا تخفى على احد رغم محاولات حكومة المالكي إخفاء هذه الحقيقة ورغم الواجهة الكردية ـ السنية للبلاد .

أما النظام العراقي الحالي، فهو يتطلع إلى أن يدخل إطار التأثير الإقليمي والى " تطبيع " علاقته بمحيطه العربي من بوابة القمة، ورغم أن عنوان الحكم الشيعي حكومة المالكي لن يكون موجودا في القمة، حيث يترأس القمة الرئيس الكردي جلال طالباني ويدير اجتماعات وزراء الخارجية الكردي الآخر هوشيار زيباري , إلا أن الرجلين , أولا غير مقررين في الحكم العراقي ذي الطبيعة البرلمانية , وثانيا هما محسوبان على النظام الحالي وليس على حكومة إقليم كردستان العراق التي يرأسها مسعود برزاني !

السؤال هنا هو : هل يمكن أن يخرج عن هذه القمة أي شيء جدي ؟ وهل تنجح في التقدم في بعض الملفات الشائكة والتي تنطوي على " انقسام حاد " في موقف الدول العربية , تحديدا الملف السوري ؟ من الواضح أن العراقيين حاولوا أن يحققوا نجاحا أوليا بمجرد عقد القمة وبالتالي رئاسة العراق للجامعة العربية طوال عام قادم , من خلال حجب الحضور السوري فيها , وهذا وحده كان من شأنه أن يعطل عقد القمة , وهل يكمن أن تحقق حضورا وتأثيرا مهما كما هو حال مجلس التعاون الخليجي مثلا , يبدو أن الإجابة هي بالنفي , وهذا يلقي مزيدا من الظلال على هذة المؤسسة , بما فيها الجامعة العربية , والتي ترافق تشكيلها مع ظهور النظام العربي الرسمي ما بعد مرحلة الاستعمار , وفي ظل مرحلة التحرر الوطني , فيما الواقع الآن متغير في المنطقة العربية , بما يؤكد الحاجة إلى مؤسسات إقليمية جديدة تساهم الشعوب العربية في تحديد طبيعتها ومهمتها، وليس أمرا عابرا أن يتداعى الشباب العربي للمطالبة بجامعة للشعوب العربية في مقابل، أو بديلا عن جامعة الحكام العرب تكون مهمتها فتح الحدود المغلقة بين الدول العربية , وحسم كثير من القضايا العربية الإقليمية , بما في ذلك قضية فلسطين ,. جزر الإمارات , سبته ومليلة , وكذلك رسم علاقات جوار متوازنة مع إيران , تركيا , إسرائيل وحتى الدول الأفريقية وما إلى ذلك , والسؤال الذي يلح منذ سنوات هو : متى يعلن عن قمة أخيرة , ويغلق هذا الملف الذي بات مثيرا للشفقة , على الأقل لتجنب رؤية قادة محنطين بفعل التقادم , وتوفير أموال يمكن أن توظف فيما هو أكثر فائدة وجدوى للشعوب العربية التي ستبقى تعاني من ألف مشكلة ومشكلة ما دام نظام الفساد والاستبداد نظام حكم الفرد ملكا أو أميرا أو رئيسا قائما، خارج إطار النظام الديمقراطي نظام التداول السلمي للسلطة!.