مصر: معضلة إختيار الرئيس
لعل التحدى ألأكبر الذي يواجه مصر الثورة هو القدرة على تجاوز معضلة إختيار أول رئيس لمصر بعد الثورة ، بد أن نجحت في تجاوز عقدة إنتخابات أول مجلس تشريعى تفرزه الثورة ، وبصرف النظر عن فوز الإسلاميين في الإنتخابات التشريعية وإنتخابات الشورى يبقى النجاح إن الإنتخابات قد تمت في اجواء سلمية وعلى درجة عاليه من النزاهة والشفافية ، وهذا أحد اهم مظاهر السلوك الديموقراطى . ويبقى السؤال في مدى نجاح مصر الثورة على إختيار رئيس يواكب ويجسد أهداف الثورة ، وتطلعات الشعب المصرى في حياة أفضل ، ولديه القدرة والرؤية لتقديم تصور كامل للفترة الإنتقالية ، ووضع الحلول الواقعية للمشاكل الإقتصادية والسياسية والأمنية والإجتماعية ، وبعبارة أخرى يكون لديه القدرة على تحقيق التوازن في بيئة النظام السياسى المصرية وإحتواء كل التداعيات والتغيرات التي خلقتها الثورة المصرية . ومن أبرز هذه المتغيرات إن بيئة النظام السياسى المصرى والتي سيحكم من خلالها أى رئيس ليست بالسهلة ، بل قد تفوق قدرات أى رئيس،وأيضا قدرات أى سلطة تشريعية منفرده ، مما يستوجب التوافق والتوازن بين مؤسسات السلطة السياسية التشريعية والرئاسية.وقد تبدو الإنتخابات البرلمانية التي أجريت اسهل بكثير من إنتخابات الرئاسة ، ففى الأولى مجال الإختيار أوسع واكبر ، اما في إنتخابات الرئاسة فالشعب المصرى كله مطلوب منه أن يتوافق حول شخصية رئاسية واحده ، ومن هنا أهمية التوافق الشعبى حول هذه الشخصية التي قد يرى كل مواطن مصرى نفسها فيها علي عكس الإنتخابات البرلمانية التي قد يوجد أكثر من جزب وشخصية مستقله تعبر عنه . وفى هذا السياق يكون ولاء الرئيس للشعب ككل ، عكس الحال لما يسمى بالتوافق الحزبى ، والذى يعنى أن يعلن الرئيس ولائه للحزب أو القوة السياسية ألأكثر حضورا وتأثيرا ممثلة في الأغلبية الإسلامية التي قد جسدتها قوة ألأخوان والسلفيين ، وهذا ما يجعل التوافق الشبعى يستمد مرجعيته ومنظومتها القيمية المحددة للتصويت هى عامل الدين، ولذلك فإن أول المقومات أو متطلبات شخصية الرئيس الذي قد يتوافق عليه الإختيار الشعبى إن يجسد هذه المنظومة والقيم الدينية ، ولا يعنى ذلك إن ينتمى إلى أحد هذه القوى ألإسلامية بل يكون معروفا بنزاهته ومصداقيته وشفافية سلوكه . والمطلوب إلى جانب ذلك رئيس بحجم مصر ودورها ومكانتها الإقليمية والدولية ، أى رئيسا قادرا على إستعادة هذا الدور ، وليس رئيسا يدفع في إتجاه عزلة مصر وتقوقع دورها في الداخل ، ومن الأهمية أن تكون شخصية الرئيس شخصية حضارية وذات ثقافة واسعة ، وصاحبة رؤية سياسية شامله وقابلة للتطبيق ، ليس رئيسا مثاليا في وعوده ، بل رئيسا ينزل للمواطن المصرى العادى .والمطلوب في رئيس مصر القادم إن يجمع بين الثقافة والفكر والممارسة ، وملما بتطورات العصر الذي يعيش فيه الشعب ، وأن يكون ملما ومدركا وقارئا ومشاركا في الثورة التى ستشكل مرجعية قوية لعمل أى رئيس. والمطلوب في الرئيس أيضا أن يكون مدركا وبشكل كامل أنه يأتى للرئاسة في زمن التحول في مفهوم الرئاسة ، فلم يعد مفهوم فرعون ألأعلى الذي لا يسأل ويحاسب قائما ، ولم يعد مفهوم الحكم الفرد ألأبدى مسيطرا ، بل هو يأتى للحكم في ظل بيئة سياسية جديده تحكمه قيم وشرعية الثورة ، والتي من أبرز معالمها أن المواطن المصرى لم يعد المواطن الذي يخاف والسلبى ، ولم تعد المؤسسات ألأمنية وحتى العسكرية هى التي تحكم ، ولم يعد هناك الحزب الواحد الحاكم ، كل هذا تم إستبداله بمواطن مصرى جديد ، وبأحزاب وقوى سياسية قوية بل ومشاركة في الحكم كألأخوان والسلفيين وغيرهم من القوى السياسية القديمة كالوفد والجديده كالتكتل الديموقراطى ، وعددا من الشخصيات المستقلة والتي هى على قلةعددها لكن تأثيرها كبير. وان يدرك وهذا هو ألأهم أن مفهوم الرئيس ألأبدى في الحكم قد سقط والى ألأبد مع الثورة ، وأن فترة حكمه مقيده بفترة زمنية محدده وسيخضع خلالها للمحاسبة والرقابة الشعبية والبرلمانية . والمطلوب في الرئيس أيضا أن يكون رئيسا مؤسساتيا ، يؤمن بدور مؤسسات الفكر والراى ، وأن لا ينفرد في قراره وأن يستمع للراى والمشورة حتى تكون قراراته أكثر صائبية. والمطلوب في الرئيس أن يكون شخصية مؤثرة قريبة من هموم المواطن العادى تشعره انه صادق في وعوده وقدرته علي تقديم حلول لمشاكله اليومية الكثيرة والتي تفوق قدراته وأن يحارب الفقر والبطالة ، قادر علي تحقيق العدالة الإجتماعية ، قادر وشجاع علي محاربة الفساد والمفسدين ، وقادر أن يعيد الكرامة الوطنية لمصر ، ويأخد بها إلى مصاف الدول الإقليمة المتقدمة ، فلا تركيا أفضل حالا ، ولا إيران أحسن وضعا ، ولا حتى إسرائيل ليست أقوى من مصر.وأن يكون رئيسا لكل المصريين مسلميه ومسيحييه.وأن يكون رئيسا قويا في جسده وعقله ، ولذا قد يكون عامل العمر مهما في هذه المرحلة . وبعد هذه المواصفات قد يثور التساؤل كيف سيتم إختيار رئيس مصر القادم ؟ فالمواصفات والصفات المطلوبة قد لا تكون صعبة ، وقد تتوفر في أكثر من رئيس، وقد تلعب الصفات الشخصية والكارزمية دورها ، خصوصا أن كل البرامج السياسية للمرشحين ستكون متقاربه ، ويبقى عنصر الإختيار ألشخصى . ولكن السؤال الأهم الذي يأتى قبل المواصفات والصفات علي أى أساس سيتم إختيار الرئيس؟ أى على أساس النظام الرئاسى ، أو البرلمانى أو خليط منهما ، وأى صلاحيات سيقوم بها ؟ ومن هنا اهمية التوافق حول الدستور المصرى الذي سيحمى مصر من أى إنحراف في ممارسة السلطة ، وهو الذي سيضمن عدم العودة إلى إستبداد سياسي جديد تحت مسميات جديده وفى إطار إنتخابات حرة ونزيهة .هذا الدستور هو الذي سيحدد هوية وشخصية مصر المدنية الديموقراطية الحضارية قبل أن يحدد شخصية الرئيس. الرئيس القادم لمصر هو رئيس مؤسس لجمهورية ثالثه ، ومؤسس لدولة مصر المعاصرة ، ومؤسس لنظام سياسى جديد يعيد لمصر دورها ومكانتها التي قد فقدتها بسبب نظام الحكم فيها . وأخيرا هل نرى رئيسا ينزل للشارع المصرى دون مواكب تسبقه؟ وأخيرا المطلوب رئيسا بحجم المشاكل والتحديات التي خلقتها الثورة ، ورئيسا تختزل شخصيتة في شخصية مصر ،لا أن تختزل شخصية مصر فيه.
دكتور ناجى صادق شراب\ أكاديمى وكاتب عربى