غزة بين دائرية العدوان وجدلية المقاومة !دكتور ناجى صادق شراب

1_1049257_1_23

العدوان الإسرائيلى الأخير الذي دام أربعة آيام طوال والذى أشبه بصورة حرب مصغرة ، وراح ضحيته حوالى خمس وعشرين شهيدا وأكثر من مائة مصاب بعضهم أصاباتهم خطيرة يثير العديد من ألأسئلة . هل باتت غزة هي الهدف الإستراتيجى لإسرائيل بدلا من إيران ؟ أم أن الحرب والعدوان على غزة هو تهئية لحرب إقليمية أشد ؟ وما هي دوافع وأهداف إسرائيل من هذا العدوان ؟ وهل الهدف من المقاومة بات فقط الرد ثم الوصول إلى تهدئة قابلة للإنهيار في أي لحظة ؟ وماذا تريد إسرائيل من غزة ، هل هي مقدمات لحرب أو عدوان عسكري واسع وأشمل؟ وما هو المطلوب من المقاومة؟ وما هي وظيفة المقاومة في غزة؟ ولماذا لم تشارك حماس في الرد على العدوان ؟ وهل من المصلحة الوطنية أن تعود الحرب ثانية لغزة الذي ما زال سكانه يعانون من تداعيات وآثار الحرب ألأخيرة ؟ والسؤال دائما لماذا في هذا التوقيت قامت إسرائيل بعدوانها بإغتيالها للأمين العام للجان الشعبية الشيخ زهير القيسى ؟ ولماذا شاركت حركة الجهاد بقوة هذه المرة في التصدى للعدوان؟ كل هذه التساؤلات تتردد على ألسنة الجميع حتى المواطن العادى الذي يعانى من أزمة حياتية مركبة من نقص في الموارد وغلائها بما يفوق قدرته على شرائها ، وإنقطاع دائم للكهرباء ، وفقروبطالة تعطل قدرة شبابه. ويبقى السؤال المهم أين ألإنقسام من هذا العدوان؟ وقبل محاولة الإجابة على هذه التساؤلات ، لا بد من الإشارة إلى عدد من العوامل الرئيسية التي تعتبر مدخلا للإجابة على هذه التساؤلات . وأول هذه العوامل تحديد طبيعة العلاقة بين غزة وإسرائيل، وهذه العلاقة تقوم على معطيين ألأول منطق العداوة ، والثانى المعضلة ألأمنية . وهما ما يحددان منذ البداية أن خيار إسرائيل دائما في التعامل مع غزة هو الخيار العسكري، الذي قد يأخذ أشكالا متعدده بعض صورة العدوان الأخير على غزة ، وقد ينتهى بعدوان واسع أو حرب كاملة . والعامل الثاني أن طبيعة غزة وخصائصها الجغرافية والطبوغرافية والسكانية الكثيفة والمساحة الصغيرة التي لا تتجاوز ثلمثائة وأربعين كيلو متر مربع ، وعمق يتراوح ما بين أربعة عشر وسبعة كيلو متر مما يجعل كل غزة في مرمى السلاح ألإسرائيلى ، وهو ما قد يوقع ضحايا كثيريين . وعليه غزة لا تصلح أن تكون أو تتحول إلى ثكنة عسكرية ، بل تحتاج إلى.رؤية تنموية وحضارية وسياسية تجعل منها أنموذجا سياسيا ديموقراطيا للدولة الفلسطينية . والعامل الثالث يتعلق بالمقاومة وهو الخيار الذي تمثله غزة بوجود كل قوى المقاومة فيها ، وهو الخيار الذي يعتبر نقيض لخيار المفاوضات والسلام الذي تمثله السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ، وهو ما يعمق من منطق العداوة مع إسرائيل . وحيث أن إسرائيل قد إنسحبت من غزة عسكريا لكنها بقيت كسلطة إحتلال بفرضها الحصار على غزة ، والتحكم في كل منافذها البرية والبحرية والجوية ، يفرض تحديد رؤية متكالة ومشتركة لماهية المقاومة ووظفيتها بما ينطلق من خصوصية الحالة في قطاع غزة . ويكفى أن نشير أن غزة تقع في قلب الدائرة ألأولى للأمن الإسرائيلى ، فلذلك أي تتطور في قدرات المقاومة العسكرية يشكل تهديدا لأهم عناصر أمنها وهو عنصر البقاء ، ولذلك مجرد إطلاق صاروخ يصل تل أبيب مثلا سيكون بمثابة إعلان حرب.

أعود لمحاولة الإجابة على تساؤلات المقالة أو بعضها لأن العوامل التي ذكرناها أعلاه فيها إجابة على بعضها . وعن دواع وأهداف إسرائيل ، وكما تقول أن لديها بنكا من ألأهداف والدوافع ، وهذه ألأهداف بعضها يتعلق بالوضع الداخلى للحكومة الإسرائيلية وتركيبتها اليمينية المتشدده والتي يطالب دائما أعضائها بشن حرب على غزة والتخلص من حكم حماس والمقاومة ، أضف إلى بوادر ألأزمة الإجتماعية التي قد تهز الحكومة الإسرائيلية ، وهناك من يربط العدوان بزيارة نتنياهو إلى واشنطن وفشله بالنسبة لخيار الحرب على إيران ، ولذا البديل لذلك هو الشروع والتمهيد لحرب على غزة ، وهذا الهدف له دلالة واحده أنه بإستمرار هذه التركيبة الحكومية فخيار العدوان والحرب يبقى قائما ، وأيضا محاولة قياس قدرة قبتها الحديدية على التصدى وإعتراض الصواريخ الفلسطينية . . وهناك أهداف تتعلق بالجانب الفلسطينيى منها إختبار قدرة حماس على إحتواء المقاومة وضبطها بالتهديد بحكمها في غزة ،إدراكا من إسرائيل أن حماس تشكل الكتلة الكبيرة للمقاومة ، والهدف الثاني فلسطينيا جر المقاومة للمواجهة ودفعها للكشف عن أسلحتها ، وأيضا إضعاف قدراتها الردعية ، والربط بين أنشطتها وأنشطة القاعدة في سيناء حتى تحدث شرخا في العلاقة المصرية الفلسطينية . ومن الأهداف ألأخرى لإسرائيل قياس قوة وردة فعل الشعوب العربية وخصوصا مصر والتي فاز فيها ألأخوان بالحكم والتحكم في السلطة التشريعية . والمهم لي هذه ألأهداف بقدر أن إسرائيل قد أرادت أن تستفيد من حالة الإنقسام السياسي الفلسطينيى ، ومن إنشغال الدول العربية وبالذات مصر في قضاياها الداخلية الشائكة ، والإستفاده من سنة الإنتخابات الرئاسية ألأمريكية التي توفر مظلة حماية لإسرائيل ضد أي قرار في مجلس ألأمن . وهل حققت إسرائيل أهدافها من العدوان ؟ لا يمكن القول أن إسرائيل قد نجحت أو فشلت بالكامل ، وقد تكون نجحت في تكبيد الفلسطينيين خسائر كبيرة في ألأرواح وفى التدمير ، لكنها فوجئت بقدرات مقاومة كبيرة ، وأرادة على الصمود والتحدى ، وفوجئت أيضا بموقف قوى من مجلس الشعب المصرى بالتهديد والمطالبة بطرد السفير الإسرائيلى وسحب السفير المصرى ووقف إمدادات الغاز . لكن إسرائيل يبدو أنها قد أوصلت رسالة قوية بإجتياح غزة دون إعتبار لردود أي فعل . وكما أشارت الصحف الإسرائيلية أن الحملة الإسرائيلية قد فشلت في تحقيق أهدافها .

وماذا عن المقاومة الفلسطينية ؟ أعتقد هنا أن المطلوب عدم بعثرة المقاومة الفلسطينية ، وأن خيار المقاومة ليس حكرا علي فصيل دون ألآخر, وأن قرار المقاومة ينبغي أن يرتبط بقرار سياسي ، لأن المقاومة ليست هدفا في حد ذاتها ، هي مرتبطة بإنهاء الإحتلال وقد تحقق هذا في غزة ، ومرتبطة بصد أي عدوان والدفاع عن غزة ، لكن المقاومة ليست هي التهدئة ، بمعنى ليست وظيفة المقاومة الرد على العدوان ثم الدخول في تهدئة ، وليس معنى حديثى أن التهدئة مرفوضة بل على العكس التهدئة مصلحة وطنية فلسطينية إذا فيها تجنيب الشعب الفلسطسى في غزة من حرب شامله ، لكن المقصود إن تكون التهدئة مبنية على أسس واضحة ، وبضمانات إقليمية وحتى دولية ، وإن كان هذا أمرا صعبا لأن التهدئة تبقى شفهية لفظية ، ولا أحد يستطيع إن يضمن اى طرف , وكما يقال في السياسة تتراجع الإلتزامات الأخلاقية لتفسح المجال لإعتبارات ألأمن والقوة . وبالنسبة للمقومة الفلسطينية عليها أن تبتعد عن أي نشاط يمكن أن يعطى إسرائيل الذريعة لأى عدوان ، وأن تحرر نفسها من كل المؤثرات الإقليمية والخارجية ، وأن يحكمها معيار المصلحة الوطنية الفلسطينية فقط ، ومصلحة حياة أكثر من مليون ونصف في غزة يعيش أغلبهم تحت خط الفقر. وهذا يتطلب التوافق بين الإعتبارات ألأمنية للمقاومة والإعتبارات السياسية الحاكمة في غزة ، وإعتبارات السكان في غزة ، وإدراك إن للمقاومة حدود يفرضها عليها وجودها في غزة ، فهي لن تكون قادرة على تحرير الضفة من غزة ، و تحرير اى أرض أخرى . لذلك تحديد وظيفة المقاومة أمرا حتميا ، وليس معنى ذلك التخلى عن خيار المقاومة ، بل أن ندرك أن للمقاومة صورا أخرى في غزة ليست قاصرة على البعد العسكري فقط . أما عن مشاركة حماس من عدمها ، فيكفى الإشارة هنا أن عدم إنجرار حماس في عملية الرد انه تخلى عن خيار المقاومة ، ولكنه في حد ذاته يعتبر قرارا صائبا في هذه المرحلة لأن فيه تغليب للمصلحة الوطنية ، أعرف ان قرار حماس تحكمه عوامل كثيرة ومتغيرات داخلية وإقليمية ودولية ، وهناك من يربط ذلك بهدف الحكم وتثبيته ، وألأخر يربط ذلك بألأوضاع في سوريا ، وفريق ثالث يرى في دور الأخوان وضغطهم هو الذي يقف وراء قرار حماس ، بصرف النظر عن كل هذه المتغيرات والعوامل ، يبقى أن عدم الرد والعبرة بالقرار وليس بالعوامل والمؤثرات فيه تجنيب للحرب ،وهذا مصلحة وطنية فلسطينية . وأخيرا علينا أن ندرك أن هذا العدوان لن يكون ألأخير ، وأن المصلحة الوطنية الفلسطينية تفرض على الجميع إنهاء الإنقسام من منطلق أن المقاومة كل لا يتجزأ ، وأن المفاوضات والسلام أيضا كل لايتجزأ ، وأن الخيارات الفلسطينية لا يمكن تجزئتها وإختزالها ، وأن ندرك أن لا أحدا سيحارب بالنيابة عن الفلسطينين ، وبدون تفعيل العامل الفلسطسنى وتحريره من المؤثرات ألإقليمية والدولية ستبقى القضية الفلسطينية في تراجع ، عندها لن تجدى المقاومة ، ولن تجدى المفاوضات .

دكتور ناجى صادق شراب\ أكاديمى وكاتب عربى