عام .. عمر الياسمين التونسية
عام على رحيل الطاغية: إنجازات ومخاوف في تونس الحرّة
في مثل هذا اليوم من العام الماضي، هرب الطاغية التونسي
زين العابدين بن علي. فاتحة الثورات العربية حقّقت الكثير من المنجزات، لكنها لا تزال مهددة بشبح الطغيان، وبسلوك يرى فيه البعض نسخةً مشابهة لسلوك عهد المافيا
مضى عام على الثورة التونسية. أشياء كثيرة تغيرت، وإنجازات عديدة لا تزال تنتظر التحقيق. لعل أهم التحولات التي جاءت بها الثورة إسقاط حاجز الخوف الذي عانته البلاد طوال عقود من التسلط. وخير دليل على ذلك الحيوية الكبيرة التي يحظى بها الحراك السياسي المعارض للحكومة الحالية. واللافت أن هذا الحراك، رغم عنفوانه، يجري في إطار من السلمية والديموقراطية. بعد فترة انتقالية دامت 10 أشهر، أهدت تونس إلى العالم العربي أول انتخابات تعددية وشفافة، أدّت إلى انتخاب مجلس تأسيسي متعدد الأطياف، سيتولى سَنّ دستور جديد للبلاد. ولم يحدّ من موجة التفاؤل بتكريس التحول الديموقراطي، فوز حزب «النهضة» الإسلامي بالغالبية في المجلس التأسيسي، وخصوصاً أن توليه الحكم اندرج ضمن تحالف ثلاثي مع حزب «التكتل الديموقراطي من أجل العمل والحريات» اليساري، و«المؤتمر من أجل الجمهورية» الوسطيّ. ورغم كل ما تحقق من منجزات ديموقراطية، إلا أن الشارع السياسي التونسي يشهد انشغالات عديدة بسبب تأزم الأوضاع الاقتصادية، وبطء التحولات المرتبقة في مؤسسات الدولة والإدارة، والمخاوف المتزايدة من التضييق على حرية الصحافة والإبداع الفني، من قبل حكومة حمادي الجبالي الإسلامية.
يقول الأمين العام لحزب «الحركة التقدمية التونسية» مصطفى التواتي إن «أهم ما حققته الثورة إسقاط نظام زين العابدين بن علي الدكتاتوري، وذلك أمر لا يجوز الاستهانة به. ومثّل تنظيم انتخابات تعددية منجزاً لا يقل أهمية». ويتابع أنه «رغم ما شاب الاستحقاق الانتخابي من نقائص، وما أدى إليه من نتائج مخيبة بالنسبة إلينا، إلا أننا سعداء لأن هذه التجربة الانتخابية الأولى حققت قدراً هاماً من الديموقراطية والشفافية». ويشير التواتي إلى أن «ما يدفع إلى التفاول هو أن الشعب كسر حاجز الصمت والخوف نهائياً، حيث أصبح الشارع وسيلة ضغط قوية لا يمكن الالتفاف عليها من قبل أي طرف، وهذه سابقة غير معهودة، ليس في تونس فحسب، بل أيضاً في جميع الدول العربية».
أما عن النواقص، فيختصرها زعيم «الحركة التقدمية» كالآتي: للأسف، الفئات الشعبية البسيطة التي فجّرت الثورة ودفعت ضريبة غالية لإنجاحها لا تزال تعاني التهميش. ولا تزال المناطق المعزولة المحرومة التي انطلقت منها شرارة الحراك الثوري تعاني الفقر والبطالة التي تضاعفت من 400 ألف إلى 800 ألف عاطل عن العمل، على حد تعبيره. بدوره، يرى عميد نقابة المحامين التونسيين شوقي الطيب أن «أهم المكاسب التي تتحقق هي التخلص من الدكتاتورية، ومن النظام البوليسي ومن المافيا الأوليغارشية التي كانت تتحكم بالاقتصاد، وتنهب خيرات البلاد، كما أن الثورة التونسية كرّست قسطاً كبيراً من حرية الرأي والتعبير، والحق في الاختيار من خلال انتخابات حرة». ويستطرد شوقي أن «هناك تحديات كبيرة لا تزال قائمة، فإنجاح مسار التحول الديموقراطي يتطلب إنشاء منظومة قانونية ومؤسساتية من شأنها أن تمثّل ضمانات لتحصين البلاد من عودة الاستبداد». ويضيف «هناك أيضاً المسار الإصلاحي المتعلق بالعدالة الانتقالية التي يجب أن نوليها عناية خاصة، لأنها الضمانة القانونية والمعنوية لتحقيق ما نصبو إليه من كشف للحقائق ومحاربة للفساد، وذلك أمر لا مناص منه لتكريس المصالحة الوطنية بين التونسيين».
ويوجّه عميد المحامين كلامه للائتلاف الجديد الحاكم «المطالَب بأن يتحلى بقدر أكبر من روح الوفاق، للتقريب بين الأفرقاء السياسيين، وذلك لن يتسنى إلا بوجود إرادة حقيقية من قبل السلطة في التحلي بالتسامح وسعة الصدر وتقديم بعض الضمانات والتنازلات من أجل طمأنة المعارضة». وعن أسباب تزايد المخاوف من التضييق على الحريات من قبل الحُكام الجدد لتونس بعد الثورة، يلفت السينمائي نجيب عياد إلى أن «أهم مكسب وإنجاز جاءت به الثورة هو حرية الكلمة والحق في التعبير الحر، لذا لا يمكن أن يرضى أحد في تونس بعد اليوم بالسكوت أو الإذعان للضغوط أو التضييقات». ويحذّر عياد من أنه «رغم سقوط المنظومة الاستبدادية، غير أن لم يمنع ظهور بوادر عديدة تشير إلى أن الحكام الجدد يرغبون في استبدال استبداد بآخر. وهذا أمر يثير الكثير من القلق، فالأحزاب التي تحكم تونس اليوم تقلد الحزب الاستبدادي السابق في الكثير من الأساليب وطرق العمل، سواء في ما يتعلق بالتضييق على حريات الصحافة بعد التعيينات الأخيرة، أو بالمحاولات الدعائية الهادفة إلى شيطنة الخصوم السياسيين، من خلال اتهامهم بمحاولة تعطيل الإرادة الشعبية، أو مصادرة الشرعية الانتخابية، فيما تؤدي المعارضة دورها الطبيعي، ويحق لها أن تعبّر عن آرائها سلمياً، بغضّ النظر عن مدى شعبيتها وحجمها التمثيلي». في المقابل، يشدد الروائي والسجين السياسي السابق سمير ساسي، المقرب من حركة «النهضة»، على أن «هناك مجال واسع من حرية التعبير في تونس اليوم. والوضع لا يمكن أن يُقارن إطلاقاً بما كان عليه قبل الثورة، لكن هناك حاجة إلى تقنين الأمور أكثر من أجل تكريس ونشر ثقافة الحرية والتعددية»، منبهاً إلى وجود «خلط بين حرية التعبير من جهة، وتجاوز الضوابط الأخلاقية والمهنية من قبل بعض وسائل الإعلام من جهة أخرى». وفي إطار طمأنة التونسيين، يجزم ساسي بأنه «لا يجوز التهويل والمبالغة، فما يحدث من تجاوزات هي أمور مرحلية ومؤقتة من نتاج التحول من عقود الاستبداد الطويلة إلى آفاق الحرية، فالمشهد الإعلامي التونسي لا تزال تهيمن عليه الوجوه القديمة التي تحاول أن تخفي تاريخها القديم بخطاب جديد ليس له من الثورة إلا الاسم». ويختم حديثه بالاعتراف بأن «الطريق لا يزال طويلاً أمام المناضلين لتحرير قطاع الإعلام من ربقة الأباطرة القدامى».
الأخبار