أسباب القصف الغاشم

adli_sadikkk

العدوان الإسرائيلي على غزة، يرمي الى تحقيق مجموعة أهداف قديمة وجديدة. القديم منها، هو تجديد عملية الكيْ بالنار، للوعي الجمعي الفلسطيني، لتذكيره بأهوال ما يمكن أن يلحق به، من أذى وتدمير، في حال التمسك بالمقاومة أو حتى في حال تمنية النفس، بأية مقاومة مستقبلية، إن توافرت شروطها. ويعرف المحتلون أن العالم العربي يمر بمرحلة التشكُّل العسير. وفي بعض أقطاره، هناك بدايات متعثرة، لإعادة بناء الكيانات الوطنية، وبالتالي فإن ردود الأفعال، حتى على مستوى الشجب، ستكون باهتة، على النحو الذي يعمق الإحساس باللا جدوى. وهناك، كما في كل عدوان، غايات ذات صلة بالسياسة الإسرائيلية الداخلية، في سياق تعظيم المخاطر، لتبرير الخط العقيم والمضطرب، لحكومة نتنياهو اجتماعياً وسياسياً. والمراد، على هذه الصعيد، أن حكومة نتنياهو ذهبت الى تطيير رسالة للجمهور اليهودي، قوامها أن المرحلة والمستقبل القريب، يتطلبان وجود اليمين المتطرف الذي يفرض الأمر الواقع بصفاقة ويردع ويحمي!

أما الهدف الجديد، فهو يتعلق باختبار «حماس» وموقفها وحجم نيرانها المتاحة أو سقفه، في حال اندلعت حرب مع إيران. لكن «حماس» من جانبها، استنكفت عن المشاركة في القصف الجوابي المضاد لسبب تعرفه، مع نتيجة مُفتقد سببها، لأنها لا تعرفه، بل لم يخطر في بالها، اللهم إلا إذا كان الإيرانيون قد نصحوها بعدم كشف حجم نيرانها وسقفه، في معركة «فرعية» يتعمد العدو جرّها اليها.

أما سبب «حماس» المباشر للاستنكاف، فهو إظهار الالتزام بالتهدئة لكي لا تُستهدف. وفي خضم القصف، تعمد المحتلون المعتدون مطالبتها بحزم أشد، حيال الفصائل التي تقصف، بينما هي تصرفت بطريقتها لكي تؤكد على أنها سلطة رسمية، غير معنية بشن الحرب الدفاعية. والمحتلون يحققون من خلال هذا العدوان، أحد أمرين: إما أن يعرفوا تماماً القدرة النارية لحركة «حماس» في حال انجرّت الى قصف مضاد، فيستوعبوا نيرانها ويأخذونها الى مواجهة منفردة في ظروف غير مواتية، وإما أن يعمقوا الإحساس بالعجز، في لحظات الشعور بالقوة نتيجة صعود الإسلاميين في مصر وغيرها. ففي غزة يتحقق الاختبار لفاعلية التعاضد بين الإسلاميين، وهذا هو ما نوّه اليه فهمي هويدي في إحدى مقالاته الأخيرة. وسيكون مفيداً بالنسبة لدولة القوة الغاشمة والعدوان، أن يعرف الفلسطينيون الذين ظلوا يقاتلون وحدهم، أنهم باقون على هذا الحال.

وكان من المفارقات السخيفة، أن يخرج صوت ناطق حمساوي، لا لكي يبرر الامتناع عن المشاركة في الرد على العدوان، بلغة سياسية مقنعة، وإنما لإدانة ما سمّاه «صمت» السلطة والحكومة في رام الله، مع علم القاصي والداني، أن صوت السلطة في الإدانة وعلى صعيد الاتصالات الدولية، كان أعلى من صوت الصامتين في غزة قصفاً جوابياً وشجباً!

وتظل الحقيقة التي تغمر أوقاتنا، هي أن لحمنا وأرواح مواطنينا، ما تزال تحت النار دونما نصير، وأن المحتلين ما زالوا يعربدون، وأن استعادة وحدة الكيان الفلسطيني، هي السبيل الوحيد لبدء عملية التدرج نحو الممانعة الحقيقية وإزالة كل عناصر الغموض والالتباس، في الحال الفلسطيني، وصولاً الى التمكن من الاستمرار في طرح قضيتنا، باعتبارها قضية شعب مظلوم ومستضعف، يتعرض لأعتى ممارسات القتل والبطش، لمجرد أنه يتوخى حقوقه وحريته!