الأزمة السورية.. رهان خاطئ على متغيرات روسية!!
لا تزال الآلة العسكرية والأمنية للنظام السوري تجتاح مناطق جديدة بهدف تطهيرها من الثوار الذين يطلق عليهم العناصر الإرهابية المسلحة، فمن بابا عمرو في حمص إلى درعا وريف دمشق، عمليات الاقتحام و'التطهير' مستمرة تاركة خلفها عشرات الضحايا وآلاف الجرحى والمهجّرين والمشرّدين، مع استمرار منع المؤسسات الإغاثية كالصليب الأحمر الدولي والهلال الأحمر السوري وغيرها من المؤسسات، من تقديم العون الضروري لهؤلاء مع أن النظام منح بعض هذه الجهات التصاريح اللازمة للقيام بعملها، إلاّ أن شيئاً من هذا لم يحدث على الأرض، بحجة وجود أفخاخ وألغام في المباني والطرق، في الوقت الذي كان التلفزيون السوري ينقل عبر مراسليه ومصوريه ما أسماه مقابلات مع المواطنين سكان بابا عمرو الذين عانوا من هجمات المسلحين، والكذبة السابقة التي كان يتمسك بها النظام من أن ضحايا المظاهرات السلمية سقطوا بسبب هجمات المسلحين، في حين أن هؤلاء، وللصدفة البحتة ربما، لم يقوموا بمهاجمة تلك المظاهرات التي دعت إليها السلطة، وها هي الكذبة تتكرر لتبرير عدم السماح للمنظمات الإنسانية بالقيام بواجبها الإغاثي في المناطق المنكوبة إثر الهجمات الوحشية التي قامت بها المؤسسة العسكرية التابعة للنظام والمسنودة بـ 'الشبيحة'، المؤطّرين من بقايا سجون الجنايات في السجون السورية.
وفي حين أفشلت دمشق كل الجهود الرامية إلى حقن الدماء ووقف الكارثة الدموية المستمرة بلا توقف أو هوادة، تتزايد تلك الجهود على أمل أن يصغي نظام دمشق للنداء الإنساني على المستويات الإقليمية والدولية، وفي هذا السياق، من المقرر أن تستقبل العاصمة السورية موفدين من الصين والأمم المتحدة والجامعة العربية، في وقت يعلن فيه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه سيلتقي وزراء الخارجية العرب في العاصمة المصرية السبت القادم، واللافت أن لافروف قد صرح أن لا ضرورة لأية مبادرة جديدة لحل الأزمة السورية، ويستنتج من هذا التصريح أن موسكو تعترض على مشروع القرار الدولي الجديد الذي من المقرر أن تتم مناقشته في مجلس الأمن، وقد أودى هذا التصريح ببعض التقديرات المتفائلة بأن هناك تغييراً محتملاً في الموقف الروسي إزاء الأزمة السورية، إثر تصريحات أكثر إيجابية من قبل الرئيس الجديد المستجد بوتين قبل نجاحه في الانتخابات الرئاسية مؤخراً، وعلى الأرجح أن هذا التصريح من قبل لافروف، يؤكد أن لا سبيل لأية مبادرة جديدة، وان تحركه للقاء وزراء الخارجية العرب، محاولة لوقف أية مبادرة، عربية أو دولية، تضع بلاده في حرج بالنظر إلى موقفها المدان من المبادرات والتحركات الهادفة إلى حقن الدماء في سورية.
فما زال الموقف الروسي على حاله، الداعي إلى ضرورة التأثير على 'كافة الأطراف' لوقف إطلاق النار والجلوس للتفاوض وبدء حوار وطني شامل، وهو بالتالي يتساوق مع موقف النظام الذي يزعم بوجود قوى مسلحة ذات طبيعة إرهابية، من بينها 'القاعدة' التي لا تزال تقوم بهجمات ضد القوات النظامية التي تسعى إلى توفير الأمن والأمان للمواطنين، ومن المستغرب في ظل هذا الموقف، أن يعلن لافروف أن بلاده خصصت مليون فرنك سويسري لعمل الصليب الأحمر الدولي لتقديم المساعدات لمحتاجيها في سورية، وهو يعلم أن النظام في دمشق، يمنع هذه المنظمة الدولية، كما كافة المنظمات الإنسانية من القيام بواجبها إزاء ضحايا المجازر التي يرتكبها النظام السوري ولا يزال على طول البلاد وعرضها.
وإذ تراهن بعض القوى، من بينها مسؤولون أميركيون، أن تغير موسكو من سياستها إزاء الكارثة السورية، بعد أن نجح بوتين في انتخابات الرئاسة الروسية، إلاّ أن كافة المؤشرات تؤكد أن لا تغيير يمكن التعويل عليه في هذه السياسة التي ترتكز على رؤية خاطئة لمصالح الاتحاد الروسي، الأمنية والعسكرية والاقتصادية مع سورية النظام القائم، بل على العكس، إذ إن أحد مؤشرات الانتخابات الرئاسية الروسية الأكثر أهمية، تعود إلى أن الناخب الروسي الذي انتخب بوتين رئيساً، إنما كان يرى فيه، الزعيم القادر على مواجهة الغرب وخاصة الولايات المتحدة في المحافل الدولية، والموقف من الأزمة السورية، كان أحد أهم تجليات العودة إلى اعتبار روسيا دولة قادرة على مثل هذه المواجهة، وتؤكد هذه الإشارات، إلى أن بوتين، لن يغير من الموقف الروسي إزاء الأزمة السورية، بقدر استمراره في نفس المنهج، لإظهار أن روسيا لا تزال قوة سياسية يحسب حسابها في الميزان الدولي.
وقد التقط زعيم الأغلبية الجمهورية في الكونغرس الأميركي، التردد الذي مارسه البيت الأبيض بشأن الأزمة السورية، وفي سياق الحملة الانتخابية للرئاسة الأميركية، كي يشير إلى ضرورة تحرك أميركي للقضاء على الدفاعات المضادة للطيران، على الأقل في بعض أجزاء من سورية، كي يتم بناء معاقل تمكن المعارضة من تنظيم نفسها وأن تقوم بأنشطتها السياسية والعسكرية ضد النظام، والهدف هو أن تتحرر المعارضة من ضغط دبابات الأسد ومدفعيته على حد قوله. إلا أن هذا الموقف لم يضف أية أهمية جدية بالنظر إلى أنه اعتبر مجرد جزء من الحملة الانتخابية والتنافس بين الجمهوريين والديمقراطيين، أكثر من أن يشكل توجهاً حقيقياً كي تلعب واشنطن دوراً عسكرياً في هذه الأزمة، وأكثر من ذلك، فإن عدداً من المحللين الاستراتيجيين في الولايات المتحدة، يشير إلى أن واشنطن ليست في وارد إسقاط نظام بشار الأسد، وهي تتكئ على الموقفين الروسي والصيني، لتغطية حقيقة موقفها المبطن، والذي يعتبر أن سقوط الأسد، يتعارض مع المصالح الإسرائيلية التي لا بد لواشنطن من أن ترعاها والعمل على الحفاظ عليها.
إلاّ أن المجتمع الدولي، أخذ يراهن على المبعوث الدولي ـ العربي كوفي أنان ونائبه ناصر القدوة في تفعيل الدور الدولي لوضع حد لسفك الدماء السورية، على خلفية قرار الجمعية العامة الذي تبنى المبادرة العربية بهذا الشأن، إلاّ أن استمرار الجيش السوري في عملياته العسكرية من دون أي التفات لهذه التحركات والمبادرات، وإعلانه عن استمرار هجماته 'التطهيرية' لا يدع أية فرصة يمكن معها التفاؤل بحل قريب لهذه الكارثة الدموية، خاصة أن الجيش السوري أخذ يوسع من هجماته لتشمل الضغط على مدينة الرستن في محافظة حمص التي تخضع لحصار عسكري شامل.
الحراك التركي ما زال عند العمل السياسي، إذ من المقرر أن يعقد المؤتمر الثاني لأصدقاء سورية في أنقرة في الأيام القريبة القادمة، وحتى الآن هناك بعض المشكلات اللوجستية التي تعترض عقد هذا المؤتمر، من بينها، الخلاف التركي ـ الفرنسي على خلفية اعتراف فرنسا بمذبحة الأرمن وتحميل تركيا المسؤولية عنها، إذ من المحتمل أن تمتنع تركيا عن دعوة فرنسا، وهي عضو في مجلس الأمن، من المشاركة في فعاليات 'أصدقاء سورية' الأمر الذي قد يشكل عقبة أمام عقد المؤتمر، الذي يؤمل أن يكون أكثر جدية في التعامل مع هذه الأزمة، أكثر مما كان عليه الأمر في المؤتمر الأول في تونس!