مدارات - التنسيق المدني والتنسيق الأمني
ربما يكون هناك خطأ في النقل أو في التعبير، في خبر نفيْ حسين الشيخ لأن تكون السلطة، أوقفت التنسيق مع إسرائيل، فجاءت الصيغة أنه ينفي وقف "التنسيق الأمني". فليس حسين الشيخ معنياً بالموضوع الأمني، وإنما هو رئيس هيئة التنسيق المدني، والأصح صياغةً، أنه ينفي نبأ وقف التنسيق المدني، وشتان بين التنسيقيْن!
بخلاف موضوع الصياغة، نحن رفضنا في السابق، ونرفض اليوم ومستقبلاً، التنسيق الأمني مع الاحتلال، وهو ظاهرة خيانية لو وجدت، وموضوعها كان إحدى نقاط الهجوم من القوى المعارضة للعملية السلمية، لتخوين الحركة الوطنية الفلسطينية ونزع الشرعية عنها. وفي الحوار الفتحاوي الحمساوي في القاهرة، رفض الحمساويون بحث الموضوع لأنه مجرد فرضيّة في السجال، يعرف قائلوها انها بلا أسانيد، وليست موضوعاً جدياً، ولا حيثيات لها. فهي تستند الى قراءات لواقع ملتبس. أصل الموضوع، في التدابير المتخذة لتطبيقات "أوسلو" في سنواتها الأولى، أن يلتزم الطرف الإسرائيلي، بعدم التوغل في مناطق السيطرة الأمنية الفلسطينية، وإن كان هناك ما يعتبرونه خطراً أو عملاً مسلحاً مضمراً لدى مجموعة تابعة لفصيل معارض، أن تبادر السلطات الأمنية الإسرائيلية الى إبلاغ الطرف الفلسطيني بمعلوماتها حول تحضيرات لعملية وشيكة، لكي تقوم الأجهزة الأمنية الفلسطينية بمعالجة الأمر بنفسها، وتتحمل المسؤولية حول هذه المسألة المحددة أو تلك، حفاظاً على السياق السلمي لعملية التسوية. فهذا هو الذي يُسمى التنسيق الأمني. أما أن يعمل الطرف الأمني الفلسطيني، على ملاحقة الفصائل ومن ثم إبلاغ الطرف الإسرائيلي تطوعاً، بما يتحصل عليه من معلومات، فهذه ممارسة شائنة، لا ترتضيها حركة وطنية، ويأنفها الكادر الأمني الفلسطيني، ولا تقبلها الأجهزة التي تتشكل من مناضلين، أغلبهم من الأسرى السابقين ومن إخوة الشهداء.
أما التنسيق المدني، فهو المتعلق بحركة التنقل والنقل، لسكان فلسطين واحتياجاتهم، في الأراضي المحتلة، وبشؤون على هذا المستوى، وهو ضرورة موضوعية، مثلما هي ضرورات التعاطي مع "الكنتين" الإسرائيلي في السجون وفي تدابير الزيارات وتكليف المحامين. ومكاتب هذا التنسيق موجودة في غزة، ولا حيثيات أمنية لها بالنسبة للجانب الفلسطيني. والمحتلون يتعاملون معها بحيثياتهم الأمنية وكثيرها مختلق وتعسفي، كأن يوافقوا أو يمنعوا متذرعين بالأمن. وعلى الطرف الفلسطيني، يعمل الكادر الذي يجيد اللغة العبرية، وكان قد تعلمها في السجون!
ليس ثمة تنسيق أمني لكي يوقف أو يُستأنف. وفي حال وجود أية اتصالات من هذا النمط البغيض والمضاد لمشاعر الفلسطينيين، فإنه نوع من الجوسسة الفردية التي ينبغي محاربتها باعتبارها خيانة. فما نحن بصدده، هو تهيئة المناخ الشعبي لمقاومة لا عنفية فعالة، تعزز اللحمة الوطنية، وتعمق السمات القبيحة للاحتلال، في ناظر العالم، وتعكس إصرار شعبنا على نيل حقوقه واستقلاله الوطني!