أي ديموقراطيه وأى إنتخابات فلسطينية؟!
لعل الخطأ الذي وقع فيه الفلسطينيون أنهم لم يحددوا شكل الديموقراطية التي يسعون إليها ، ويجاهدون إلى إقامتها عبر إنتخابات نزيهة وشفافة ، وهم في الوقت الذي نجحوا فيه في تنظيم إنتخابات تشريعية ورئاسية إعترف كل المراقبين بنزاهتها ومصداقيتها ، إلا أنهم فشلوا في قيام نظام سياسي ديموقراطى في الحالتين اللتان أجريتا فيهما الإنتخابات ألولى والتي تمت في أعقاب توقيع إتفاقيات أوسلوا ، والتي بموجبها تم تأكيد سلطة فتح على كل السلطة الفلسطينية الرئاسية والتنفيذية والتشريعية ، وهى بهذه النتيجة لم تقود إلى نظام حكم ديموقراطى تعددى ، والإلتزام بدورية الإنتخابات ، لأن تلك الإنتخابات الأولى إستمرت من عام 1996إلى عام 2006 ، أي قد تم تجاوزت مبدا دورية الإنتخابات كأحد مبادئ الحكم الديموقراطى . وايضا الإنتخابات الثانية التي أجريت عام 2006 لم تؤدى إلى قيام نظام حكم ديموقراطى ، وهى التي جاءت بحركة حماس إلى السلطة بأغلبية كبيرة تؤهلها لتشكيل حكومة منها مطلقة ، وبدلا من أن تؤدى هذه الإنتخابات إلى البحث عن صيغة للديموقراطية التوافقية والتشاركية خلقت حالة أولا من التصادم والتنازع حول السلطات بين السلطة الرئاسية ، وبين سلطة رئيس الحكومة التي كانت برئاسة حركة حماس الفائزة في الإنتخابات ، ولم يقتصر التصادم حول الصلاحيات والسلطات بين راسى السلطة التنفيذية ، بل التصادم والتنافر وهذا هو ألأخطر بين البرنامجين السياسيين لكل منهما ، فالحكومة تتمسك بالبرنامج السياى الذي يؤكد على المقاومة وخصوصا المسلحة ، والبرنامج السياسي للرئاسة والذى يركز على خيار المفاوضات والسلام.وقد أنتهى هذا التصادم إلى سيطرة حماس او الإنقلاب على السلطة والتي هي جوهرها وأساسها لتشكل حكومة منفصلة مستقلة في غزة ، وهكذا بات للفلسطينيين حكومتان نقيضتان واحده في الضفة وألأخرى في غزة ، وما تلا ذلك من تصادم ونزاع ثقافى وسياسى وإعلامى بينهما ، وصل إلى حد التاصيل لثقافة التخوين والإقصاء والإستصال ، وثقافة التشكيك في الشرعية السياسة ، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن حالة الإنقسام السياسي قد تجاوزت مرحلة التفويض السياسي التي منحها الشعب عبر إنتخابات لا يشكك أحد في مصداقيتها . المهم من كل هذا أن الإنتخابات وفى صورتها الثانية كانت أشد سلبية وكارثية على العمل على ترسيخ لنظام ديموقراطى أساسه وجوهره تبنى برنامج سياسي توافقى تشارك فيه كل القوى السياسية ويعبر عن المصلحة الفلسطينية ،ويكون بمثابة إطار ومرجعية سياسية ملزمة للجميع في أي إنتخابات قادمة . محصلة العمليتنان الإنتخابتين فشل الديموقراطية الفلسطينية ، اى الفشل في الإتفاق على نظام سياى ديموقراطى يسمح للجميع المشاركة والمساهمة في عملية صنع القرار والسياسة العامة ، وبدلا من تعددية سياسية ودورية للإنتخابات ساد شكل من الإستقطاب السياسي الجامد والمقيت بين قوتين سياسيتين متناحرتين متصادمتين ،وبدلا من سيادة مبدأ سيادة القانون وإحترام مبدأ الحقوق والعدالة السياسة والمساواة السياسية وتأكيد روح المواطنه الشامله والواحده سادت أنظمة حكم أمنية وسيلتها الإعتقال ، وتكميم كل أشكال الحرية والممارسة السياسية الديموقراطية ، وأرتفعت نسبة إنتهاك حقوق الإنسان الفلسطينيى ، وفقد القضاء إستقلاليته . كل هذه المظاهر الغير ديموقراطية تؤكد لنا أن الإنتخابات قد فشلت في الوصول إلى نظام حكم ديموقراطى ، علما أن الوظيفة ألأساسية للإنتخابات هلى بناء وترسيخ أسس الحكم الديموقراطى . واليوم يعود الفلسطينيين إلى التاكيد على العودة إلى الإنتخابات كوسيلة وآداة لمعالجة كثير من السلبيات والنواقص التي خلقتها حالة الإنقسام السياسي التي تحولت إلى حالة بنيوية مركبة يصعب إستصال قيمها في إنتخابات واحده. ولا خلاف على اهمية الإنتخابات ووظيفتها بعد مرحلة الإنقسام ، وأول هذه الوظائف هلى يمكن إستعادة بعضا من قيم الثقافة الديموقراطية اتلى من أبرزها التسامح السياسي ، والإعتراف بالآخر ، والقبول بإدارة الخلافات في أطر من الديموقراطية السلمية البعيدة عن القوة ، والوظيفة الأخرى التوصل إلى رؤية سياسية توافقية مشتركة بعيدا عن الرؤية التنظيمية لكل قوة أو تنظيم فلسطينيى ، وبناء منظومة من المؤسسات الملزمة البعيده عن الشخصنية والفردانية وحتى التنظيمية ، هذه بعضا من الوظائف المطلوبة من الإنتخابات القادمة ، فهي ليست كسابقتها ـ بل قد تكون أصعب بكثير لأنها تتم في أجواء من عدم الثقة ، وسيادة ثقافة الرفض والقوة . وفى أعقاب بناء منظومتين أمنيتين متعارضتين في الرؤية والوظيفة الأمنية . وتبقى معضلة العلاقة بين السلطة السياسية والأذرع العسكرية لكل تنظيم ، وهنا تبرز مشكلة القدرة على التوفيق بين معادلة السلطة الثلاثية : السياسية وألأمنية والعسكرية . كل هذه التحديات مطلوب من الإنتخابات الفلسطينية البحث عن حلول لها . ويبقى أن أشير أن ما يجب على الفلسطينيين البحث عنه ديموقراطية تتوائم والإحتلال الإسرائيلى وهى خاصية لم تواجه اى من التجارب الأخرى في العالم ، فالديموقراطية كنظام متكامل تحتاج توافر دولة وسلطة كأمله ، وفى الحالة الفلسطينية يوجد إحتلال وتوجد سلطة ناقصة غير متكامله ، وهنا ينبغي البحث عن شكل من الديموقراطية التي تتوافق وهذه الحالة ، وبالتالي يحتاج الفلسطينوين إلى شكلين من الديموقراطية الأولى الإنتقالية والتي قد يتخلى فيها الفلسطينيون عن بعض مظاهر ومقومات الديموقراطية ، والديموقراطية الكاملة وهى التي تبدأ بإنهاء الإحتلال ، ومن هنا فإن أحد أهم وظائف الإنتخابات الفلسطينية ليس فط بناء نظام ديموقراطى كفاحى ، بل العمل على إنهاء الإحتلال ، أي نريد إنتخابات تنهى الإحتلال الإسرائيلى وليس إنتخابات تعمل على ديمومته. وحتى لا تتكرر نتائج الإنتخابات السابقة من سيطرة فتح في الأولى ، وحماس في الثانية لا بد من التوافق على صيغة توافقية لتوزيع وإدارة السلطة بصرف النظر عن نتائج الإنتخابات طالما أننا نتكلم عن شكل من أشكال الديموقراطية الإنتقالية والتي يمكن تجاوز بعض النتائج الديموقراطية ولكن بالتوافق السياسي الديموقراطى ، وأقصد بذلك ماذا لوفازت حركة حماس في الإنتخابات القادمة في مستوياتها الثلاث الرئاسية والتشريعية والمجلس الوطنى . هل نعود إلى الحالة السابقة من الصراع والتنازع والإنقسام :وهذا يتعارض مع الهدف ألأساسى من الإنتخابات . في هذا السياق يمكن التوافق على توزيع رئاسة السلطات الثلاث ليس فقط بين حركة فتح وحماس ولكن بين كل القوى السياسية الفلسطينية المشاركة في الإنتخابات ، كأن تكون رئاسة المجلس الوطنى لحماس في حال فوزها أو حتى عدم فوزها ، ورئاسة السلطة التشريعية لمن يفوز في الإنتخابات ن والحكومة مثلا لحركة فتح أو بإئتلاف من كل القوى السياسية ومنظمة اتلحرير تكون رئاستها بالدورية السنوية ..والهدف من هذه التركيبة السياسية التي تحتاج إلى مزيد من الوضوح تتناسب والمرحلة الإنتقالية من الديموقراطية الفلسطينية والتي وظيفتها الرئيسة هي إنهاء الإحتلال ثم يأتى بعدها بناء نظام حكم ديوقراطى متكامل لكنه مستحيل بدون الشكل ألأول من الديموقراطية الإنتقالية . هذه مجرد رؤية شخصية تحتاج إلى مزيد من النقاش والحوار.
دكتور ناجى صادق شراب |أكاديمى وكاتب عربى