ما تهم معرفته عن مساعدة روسيا العسكرية لسوريا

بقلم: إنشل بابر

ما هي الصواريخ الحديثة التي وردت الأنباء مؤخرا أن روسيا تنوي إمداد سوريا بها؟

الحديث عن منظومتين، الاولى وهي ‘إس300′، هي طراز متقدم من منظومة صواريخ للدفاع الجوي طُورت في نهاية سبعينيات القرن الماضي، لكن زيد في تطويرها جدا في تسعينيات القرن الماضي. ولـ’إس300′ أفضلية على مئات بطاريات صواريخ الدفاع الجوي من انتاج سوفييتي وروسي أصبحت موجودة عند سورية، فهي أولا تستطيع ان تصيب أهدافا على بعد 200 كم. وهي تستطيع ثانيا أن تعمل في مواجهة عشرات الأهداف في الوقت نفسه. والى ذلك فان المنظومة متحركة وتُحمل على سيارات ثقيلة، وهو شيء يجعل تحديد موقعها وتدميرها صعبا. وُجدت في الماضي عدة أنباء منشورة عن إمداد سورية وايران بهذه المنظومة. وقد تم التوقيع على الصفقة في 2007 لكن الروس استجابوا لطلبات اسرائيلية وامريكية ووافقوا في 2010 على تعليق الصفقة. ويُبين الروس الآن أنهم ينوون ‘إتمام الصفقة’ لكنهم لا يُبينون متى سينقلون بالضبط البطاريتين اللتين طلبتهما سورية.

وأما المنظومة الثانية فهي ‘بي800′ المسماة ‘يحونط’ وهو صاروخ بحري مضاد للسفن، أُدخل الى الخدمة العملياتية في روسيا قبل نحو من 13 سنة. ويستطيع ‘يحونط’ أن يطير بسرعة تفوق ضعفي سرعة الصوت ويصيب أهدافا بحرية على بعد نحو من 300 كم مع رأس متفجر يبلغ وزنه 250 كغم. وقد أمدت روسيا سورية من قبل ببطاريتين مع 72 صاروخ ‘يحونط’ قبل سنة ونصف السنة، والنية الآن إمدادها بمنظومة رادارية متقدمة تُحسن دقة الصواريخ. وقد أفادت صحيفة ‘نيويورك تايمز′ في الاسبوع الماضي، بحسب ما قاله مسؤولون كبار في واشنطن، بأن روسيا نقلت الى سورية شحنة مرسلة جديدة من الصواريخ من هذا الطراز.

كيف ستؤثر الصواريخ في ساحة القتال؟ اذا ملكت سورية منظومات الصواريخ هذه فسيصعب على اسرائيل (وكل قوة عسكرية اخرى) أن تهاجم من الجو أهدافا داخل سورية أو أن تنفذ اجتياحا من البحر. وسيُصعب ‘إس300′ ايضا استعمال صواريخ موجهة عن بعد تملكها اسرائيل والولايات المتحدة واسلحة جوية اخرى (وهو سلاح دقيق يُطلق من طائرة حربية تطير على بعد عشرات الكيلومترات عن الهدف وتهرب من تهديد أكثر منظومات الدفاع الجوي، بل إن المنظومة قد تصيب صواريخ بالستية. أما ‘يحونط’ فقد يقيد حرية حركة سفن اسرائيلية وغربية قبالة سواحل سورية ويجعل عملية بحرية موجهة عليها وعلى لبنان صعبة. إن مدى الصاروخ البحري قد يكون تهديدا ايضا لطوافات التنقيب عن الغاز في حقول الغاز الطبيعي قبالة سواحل اسرائيل.

هل الجيش الاسرائيلي قادر على مواجهة الصواريخ؟ قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق، اللواء احتياط عاموس يادلين، في نهاية الاسبوع إن سلاح الجو الاسرائيلي قادر على مواجهة ‘إس300′. وأفادت وسائل الاعلام الاجنبية في الماضي بان سلاح الجو الاسرائيلي قد تدرب من قبل في مواجهة منظومات مشابهة موجودة عند حليفات، مثل اليونان وقبرص وأذربيجان. وقد نجح سلاح الجو في السنين الاخيرة في اختراق منظومة الدفاع الجوي السورية الكثيفة ثلاث مرات على الأقل. إن ‘إس300′ اذا نشر في سورية حقا يتوقع أن يجعل المهمة في المستقبل صعبة لكنه لن يكون عائقا. وفي مقابل ذلك فان إمداد ايران المحتمل بهذه الصواريخ سيكون أكثر اشكالية، لأن سلاح الجو الاسرائيلي غير قادر على ارسال عدد كبير من الطائرات الحربية ووسائل الحرب الالكترونية الى ايران، كما يمكنه أن يفعل ذلك بسورية المجاورة.

وفي الميدان البحري تم منذ أُصيبت السفينة الحاملة للصواريخ ‘حنيت’ في حرب لبنان الثانية، تحسين القدرات الدفاعية لسلاح البحرية الاسرائيلي جدا. أُصيبت السفينة آنذاك بصاروخ من صنع الصين أطلقه الحرس الثوري الايراني من سواحل لبنان. وتشتمل المنظومات الدفاعية اليوم من ضمن ما تشتمل عليه على صواريخ ‘براك9′. وفي هذه الحال ايضا سيكون ‘يحونط’ عامل تهديد آخر لحاملات الصواريخ الاسرائيلية لكن خطره غير كافٍ لمنع عملها قبالة سواحل سورية.

ما احتمالات إمداد الاسد حقا بهذه الصواريخ؟ أصبحت صواريخ ‘يحونط’ منشورة كما يبدو في منطقة ميناء طرطوس على ساحل البحر المتوسط، في قلب المنطقة العلوية، حيث يسودها هدوء نسبي. ومن المنطق ان نفترض انه في الوقت الذي مضى منذ نُصبت (في 2011 كما يبدو) وصلت الى مستوى عملياتي ومن المحتمل جدا أن يكون تقنيون وضباط روس موجودين هناك كي يرشدوا القوات السورية. ومع ذلك فان الوجود الروسي قد يحد من استعمال السوريين للصواريخ.

وفيما يتعلق بـ’إس300′ فان الوضع أقل وضوحا. فليس واضحا من أين ستأتي المنظومة لأن الشركة المنتجة في روسيا أعلنت في السنة الماضية أنها تغلق خط الانتاج. وقد تنقل روسيا منظومة مستعملة أصبحت مستعملة الآن في دفاعها الجوي.

والسؤال الذي هو أكثر احراجا هو كيف سينجح الجيش السوري الذي أُصيب اصابة بالغة في سنتي حرب أهلية وعشرات الآلاف من المنشقين وعانى قبل ذلك ايضا نقصا من الموارد في أن يستوعب في صفوفه منظومة متقدمة ومعقدة تشتمل على ثلاثة أنواع من الرادارات مختلفة وجعلها عملياتية. يصعب ان نرى السوريين يصمدون لهذه المهمة في وضعهم الحالي، وقد يكون الحل الممكن ارسال ‘إس300′ مع مستعملين روس، لكن يصعب ان نرى روسيا تُعرض ناسها للخطر في وسط ميدان القتال. إن الامداد بـ’إس300′ يبدو الآن تهديدا روسيا أكثر من كونه امكانا محسوسا.

ما سبب القلق الكبير من الصواريخ في اسرائيل اذا؟ هذا سؤال جيد. ليس واضحا لماذا نرى قدرا كبيرا جدا من القلق في الجانب الاسرائيلي، وهل كانت زيارة بنيامين نتنياهو العاجلة للرئيس بوتين في الاسبوع الماضي حقة، أو ذات أمل (بحسب عدد من التقارير كانت تلك مبادرة روسية فبوتين هو الذي دعا نتنياهو ليحذره من هجمات اخرى على سورية). من الممكن جدا ان تكون هذه حيلة اعلامية ترمي الى خدمة عدد من الاهداف. إن نتنياهو، مثل كثيرين آخرين في الحكومة وجهاز الامن، قلق جدا من استيلاء متمردين جهاديين على سورية ومن نقل سلاح متقدم وكيميائي الى حزب الله. ورغم اعمال القتل التي ينفذها الاسد في شعبه يبدو أنه يوجد في اسرائيل من يعتقد أن بقاء سلطته قدر المستطاع أفضل. إن نشر خبر صفقة الصواريخ الروسية قد يقوي الاسد، ويبرز حقيقة انه ما زال يحظى بتأييد روسي كبير.

إن وجود صواريخ متقدمة في سورية سيقوي من يعارضون في واشنطن تدخلا عسكريا لصالح المتمردين. فمعارضو التدخل يزعمون منذ زمن بعيد أن لسورية دفاعا جويا وبحريا أفضل كثيرا مما كان يملك النظام في ليبيا، ولهذا سيكون الهجوم عملا خطيرا. وزعزعت الهجمات الاسرائيلية الاخيرة هذا الزعم وسيعود ظهور ‘إس300′ لتقويته.

إن أكبر الرابحين من جولة الأنباء المنشورة (عدا نظام الاسد) هم الروس الذين يريدون أن يُظهروا للغرب ولاسرائيل أنهم لن يتخلوا عن الاسد، وأنهم يرون محاولة التدخل العسكري الغربي مُضرة أضرارا مباشرا بالمصلحة الروسية.

لماذا ما زال الروس يساعدون الاسد؟

إن الأنباء التي نشرت عن الامداد بالصواريخ هي جزء من اجراء أوسع لاظهار تأييد روسي للاسد. وهي تُضاف الى تدريب بحري اجتمعت فيه 11 سفينة حربية روسية في هذه الايام في شرق البحر المتوسط غير بعيد عن الساحل السوري. وهو أكبر تدريب للاسطول الروسي في البحر المتوسط منذ كان سقوط الاتحاد السوفييتي.

إن الروس شديدو الاهتمام ببقاء الاسد، فهو آخر حاكم علماني في العالم العربي لا يعتبر حليفا للادارة الامريكية، أو مؤيدا للحركات الاسلامية المتطرفة، التي تهدد السيطرة الروسية على مناطقها الشرقية. والاسد هو آخر مركز واضح للتأثير الروسي في الشرق الاوسط، ورغم انه اقترب جدا من المحور الايراني الشيعي في العقد الاخير، جعلته الحرب الأهلية خاصة أكثر خضوعا لرحمة موسكو. إن الاسطول الروسي يستعمل ميناء طرطوس السوري باتفاق ايجار بعيد الأمد وهو اليوم موطئ القدم العسكري لروسيا في البحر المتوسط. وحتى لو انهار النظام في دمشق فان طرطوس يتوقع ان تصمد فترة اخرى بسبب وجودها في قلب الاقليم العلوي. إن لروسيا والاسد مصلحة مشتركة في حماية الشريط الساحلي، كما يشهد على ذلك الامداد بصواريخ ‘يحونط’.

حرره: 
م.م