أوباما والخطوط الحمراء

بقلم: جيفري غولدبرغ
الطاغية السوري بشار الاسد ليس الزعيم الوحيد الذي يجتاز ‘الخطوط الحمراء’ هذه الايام. الرئيس باراك اوباما هو الاخر اجتاز بعضا من هذه الخطوط، نذكر منها: اجتاز خطا أحمر حين رسم خطا أحمر ولكن بعد ذلك لم يتعاط معه على انه هكذا، فواضح اليوم لحلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك بريطانيا، السعودية واسرائيل بان نظام الاسد استخدم كمية صغيرة من السلاح الكيميائي ضد الثوار. يبدو ان النظام فعل ذلك ايضا كي يفحص كيف سيرد الغرب. حتى الان، الغرب لم يرد. في اللحظة التي أعلن فيها اوباما ان استخدام السلاح الكيميائي (بل حتى تحريكه فقط) هو شيء غير مقبول، وفي اللحظة التي اعلن فيها حلفاؤه ان هناك احتمالا عاليا بان تم بالفعل استخدام لمثل هذا السلاح، كان على الرئيس أن يعمل كي لا يتم اي استخدام اضافي للسلاح الكيميائي، فينظم دعما للمعارضة ويفرض منطقة حظر جوي فوق أجزاء من سورية. في هذه الاثناء نجده يتقدم ببطء في هذا الموضوع، ولا شك أن الاسد يستخلص الاستنتاجات من هذا التردد للرئيس.
كما أن اوباما اجتاز خطا أحمر في أنه يخيف الحلفاء بسبب تردده، فالولايات المتحدة لا تزال اكبر القوى العظمى في العالم، واصدقاؤها يتوقعون منها ابداء نزعة القيادة. السعودية، الاردن، تركيا، اتحاد الامارات وحتى بريطانيا وغيرها من الدول الاوروبية، ببساطة لا يفهمون امتناع اوباما عن التدخل الاعمق في الازمة في سورية (وملاحظة لمؤيدي العزلة الامريكية: التدخل ليس بالضرورة ارسال قوات برية. شكرا). حلفاء امريكا يضغطون على اوباما منذ أكثر من سنة ونصف السنة كي يزود الثوار بالسلاح ويدرب قوات المعارضة، ولكن البيت الابيض لا يزال يمتنع عن الالتزام. وقد زار رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون واشنطن في 13 ايار/مايو كي يتحدث مع اوباما عن سورية، ووجد الضيف نفسه يلعب دور الليبرالي الذي يدعو الى التدخل مقابل اوباما الواقعي شديد الحذر. بيان كاميرون في المؤتمر الصحافي المشترك لمح الى خيبة الامل: ‘تاريخ سوريا يكتب بدم مواطنيها وهذا يحصل في ورديتنا’. وحين قال ‘ورديتنا’ قصد ‘الوردية الامريكية’. كاميرون يعرف ان الولايات المتحدة وحدها لديها القدرة الدبلوماسية والعسكرية لتغيير التاريخ السوري. مذهل في أي عالم متقلب نعيش: فقد احتج حلفاء امريكا على جورج دبليو بوش لانه قال لهم ماذا يفعلون. اما اليوم، فان ذات الدول خائبة الامل لان ادارة اوباما ترفض حتى طرح الاقتراحات.
لقد اجتاز اوباما خطا أحمر آخر، ثالثا في عدده، في أنه مر مرور الكرام على التدخل الايراني في سورية (وفي لبنان). ايران هي اهم حلفاء الاسد. وقد اتخذ اوباما خطا حازما تجاه ايران، قد يكون الأكثر حزما الذي يتخذه رئيس امريكي منذ الثورة الاسلامية في ايران في 1979. ولكن، عندما كان ممكنا بعد وقت قصير من بداية الثورة في سورية منع التدخل الايراني ودعم القوات التي تقاتل ضد الاسد وكان هذا قبل وقت طويل من قفز الاسلام المتطرف على الفرصة للسيطرة على المعارضة السورية رد اوباما بتردد. يمكن الافتراض بان الايرانيين ايضا يستخلصون الاستنتاجات في كل ما يتعلق باستعداد اوباما للصدام بهم، ويبدو أن هذا ليس هو الاستنتاج الذي كان يريد اوباما أن يستنتجوه.
والان توجد أمام اوباما عدة امكانيات في سورية، ليس أيا منها جيد. كانت له امكانيات أفضل قبل سنة ونصف السنة. في بداية الثورة كانت للادارة فرصة استثنائية للتدخل في سورية. في مصر، انهاء حكم حسني مبارك لم يخدم المصالح الامنية الامريكية، ولكن سقوطه كان يتطابق مع القيم الامريكية. اما في سورية فكان اسقاط الاسد يخدم المصالح الامريكية ويتطابق ايضا مع قيمها. واليوم ايضا، يمكن لجهود بقيادة امريكية من دون ارسال جنود الى سورية أن يجبي من طهران ثمنا باهظا على دعمها للاسد. ولكن في هذه الاثناء لا يبدو أنهم في البيت الابيض يفهمون هذا.
والان، بعد أن اجتاز النظام السوري الخط الاحمر للسلاح الكيميائي، وكان مسؤولا عن قتل 80 الف مواطن ولم يدفع الولايات المتحدة الى الرد بعد، يطرح السؤال، ماذا ينبغي للاسد أن يفعله كي يدفع اوباما الى أن يرد بشكل اكثر فاعلية بقليل. لقد قال اوباما للمراسلين ‘في اللحظة التي تحررت فيها عصي الثأر، يكون من الصعب أكثر احلال النظام’. المشكلة في هذا القول هي أن تدخلا امريكيا في مرحلة مبكرة كان يمكنه بالتأكيد ان يمنع تحرر عصي الثأر. اما الان، بعد أن تحررت، فان وقف القتل في سورية هو مهامة شبه متعذرة.