مهداوي:حالة انتظار
الأسبوع الماضي سمعت حكي من فلان وعلان في كل مكان رحته عن الأوضاع الحالية، ما ضل حدا الا بحكي، ما بخفيكم انه كل ما بسمع حدا بضيع بزيادة، وبغرق بأمواج سريعة بحسها بتسرق الروح من الجسم، حتى انه عقلي وقف عن التفكير في الخيارات، لدرجة إنه الخيار الوحيد اللي صاير عند أغلب الناس هو الهجرة وترك البلد.
موضوعي مش الهجرة، موضوعي إنه الجميع في حالة انتظار لما سيكون، وتاركين اللحظة الحالية نغرق فيها من غير ما نجد حلول للحظة الحالية، وبنحكي ما علينا، احنا تاركين الحاضر وبننتظر رحمة ربنا في ما سيحمله المستقبل لنا. كل تاريخ محدد لعمل ما؛ بخلص، وبنستنى موعد ثاني على أمل انه ممكن الأمور تتغير، بس اللي عم بصير إنها الأمور عم تزداد سوء أكثر فأكثر فأكثر. وخلينا نستنى والناس بتبدأ تحكي أمثال كأنها حبات مسكنة للمجتمع مثل "ما بعد الضيق إلا الفرج"، "إذا ما خربت ما بتعمر" طب والله كثير هيك يا أهل البلد، احنا بنقتل حالنا من حالنا، بحيث ما بنهتم في الوقت الزمني الحالي في علاج وحل قضايانا من جميع النواحي: ثقافة وتعليم ورياضة واقتصاد وسياسة و...و...و...و... ويبقى شعار المرحلة مكانك قف.
عاليوم لو بس مكانك قف، إحنا عم نتراجع إلى الخلف، لأنه ما في تقدم، فينتج تقادم وتأخر على كافة الميادين، لأنه العملية عملية تكاملية، دائرة متصلة بدوائر تتحرك بتحرك الجزء بالكل، حاسس حالي بحكي فلسفة على فيزياء، بس هذه ديناميكية المجتمع الفلسطيني في الوقت الراهن، واللي بحكيلي إني مبهرها للقضية، بتمنى عليه ينزل على الشارع ويشوف الحقيقة بعينه.
ما علينا، نرجع نركز في الموضوع، ارتباط التواريخ في ذهن المواطن فيما سيأتي من حلول، أو رزم حلول قريبه، يجعل المواطن يحلم في بكره، وهذا الحلم مدمر على الصعيد النفسي، وبخلق عدم ثقة ما بين الفرد والمؤسسة، ما بين المواطن والنظام السياسي، ما بين الفرد والمجتمع، ما بين العاشق والمحبوبة، لأنه الكل في انتظار موعد ما، بعد هذا الموعد سيكون هناك الفرج. بس فرج ما وصل، أحكيلكم أكثر، بتزداد التوترات والمشاحنات، والكل بصير يغلي حتى يطلب منا الانتظار لقاء فرج ثاني مع موعد آخر..... عايشين دخيلكم على هيك... ارحمونا؟!
حالة الانتظار خطيرة صايبة المجتمع ككل، بتروح عند محل الخضروات بحكيلك "أنا ما نزلت خضرة كثير حتى انشوف شو راح يصير بعد تاريخ..... أيلول" بتروح لعند تاجر الجملة" أهلين عمي دخلك ما بحط مالي هيك في الشارع أنا بستنى نهاية الشهر" بتروح عند مثقف ما "المواطن تعب من الانتظار وعليه قطع تذكرة هروب من الوطن دون عودة" طبعاً انا بسمع هالحكي وحكي أكثر ومتنوع من الناس وبصير أحزن على الوطن....لأنه إحنا بنخسر وطن، واللا الوطن بخسرنا؟ والله ما انا عارف!
الشرطي بستنى، المعلم بدعي، الموظف بحكي وآخرتها، المسؤول بصرح، الصحفي مش عارف شو يغطي من أخبار، ختيار باب مقهى برمي حجر الزهر وبحكي خليها على الله، بياع قهوة بنادي قهوة قهوة، صديق بخبرك انه مسافر على أوروبا وتارك البلد وبحكيها وهوي مبسوط، مجتمع مترابط بالانتظار أكثر ما إنه مترابط بالهدف، رغم إنه الهدف اللي بوحدنا موجود وواضح؟!
وعامل الوقت للآخر يتم استثماره في إنتاج ذاته وتقوية كينونته بطريقة مدروسة بعكسنا تماماً، لأنه ببني في الحاضر من أجل المستقبل، فهو لا ينتظر، لا يهادن، لا يرتاح، لا يسكن بمعنى الركود، متحرك، قابل للتحول من أجل خدمة مصالح أفراد، منظم، يعي معادلة الزمن على البناء والتطور والاستثمار في مختلف المجالات.
كل ذلك في خدمة الكيان الكولنيالي، وربط ذلك بمفاهيم حضارية مستقبلية تخدمه أولاً وآخرا، فالمعادلة المرسومة هي إحباط وضرب جذورنا في عدم العمل الحالي وإغراقنا بأحلام لن تتحقق دون عمل يومي ممنهج، وكسب هذا الوقت لهم بعمل آني لفرض سياسة الأمر الواقع. لاحظوا مثلاً طريق أريحا كيف أوجدوه من العدم، لاحظوا كيف بتزداد الكتل الاستيطانية حولين المدن الفلسطينية.
رغم حالة التيه المعاشة بسبب الانتظار المجتمعي، إلا أنه يجب علينا عدم فقدان الذات وضياعها في العمل اليومي كل في موقعه، لأنه إحنا والأرض أهم شي في كسر شوكة كافة أدوات الاستعمار، خلينا ننتقل من دور المنتظر إلى دور اللاعب، من دور المشاهد إلى دور الفاعل، من دور الضائع الى دور الصانع للحدث، يجب أن نصارع الزمن في العمل وليس في الانتظار.