الاحتباس الحراري يضرب موسم الزيتون: الإنتاج لا يتجاوز 30% والأسعار إلى ارتفاع

الاحتباس الحراري يضرب موسم الزيتون: الإنتاج لا يتجاوز 30% والأسعار إلى ارتفاع

زمن برس، فلسطين:  يشهد موسم الزيتون في البلاد هذا العام تراجعًا ملحوظًا في كميات الإنتاج مقارنةً بالموسم السابق، ما أثار قلقًا في أوساط المزارعين والمستهلكين، نظرًا لما يشكّله هذا القطاع من أهمية اقتصادية ورمزية في المجتمع العربي.

ويعود هذا التراجع إلى أسباب مناخية وزراعية متشابكة، أبرزها: الاحتباس الحراري الذي غيّر نمط تساقط الأمطار وأثّر في نمو الأشجار، وظاهرة المعاومة الطبيعية في شجرة الزيتون، إضافةً إلى إهمال العناية بالكروم البعلية بسبب ضعف الجدوى الاقتصادية من زراعتها.

ويُعدّ الاحتباس الحراري من أبرز العوامل المؤثرة هذا الموسم، إذ أدّى إلى اضطراب في توزيع الأمطار وتراجع عدد أيام البرد الضرورية لنمو البراعم والإزهار. كما ساهمت موجات الجفاف وارتفاع درجات الحرارة في تقليص الإنتاج وجودة الزيت، ما كشف عن تحديات مناخية وزراعية غير مسبوقة.

زيدان: "سعر تنكة الزيت، والتي قد تصل إلى 800 شيكل"

وفي حديثه لـ"عرب 48"، قال المهندس الزراعي ورئيس مجلس الزيتون في البلاد، سهيل زيدان، إنّ "موسم الزيتون الحالي يشهد تراجعًا حادًا في الإنتاج مقارنة بالموسم السابق، إذ لا نتوقع أن تتجاوز نسبة إنتاج الزيتون هذا العام 30%، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس على سعر تنكة الزيت، والتي قد تصل إلى 800 شيكل".

الأسباب المناخية والزراعية وراء تراجع موسم الزيتون

أوضح زيدان أن "الاحتباس الحراري يُعدّ السبب الأبرز لهذا التراجع، إذ أثّر بشكل مباشر على نمط تساقط الأمطار، التي أصبحت متقطعة زمنيا وأقل انتظامًا، ما حرم الأشجار من احتياجاتها المائية الأساسية، وأيضا من 'الوجبات البردية '، إذ تحتاج شجرة الزيتون إلى نحو 200–270 ساعة برد حتى تتحول البراعم وتبدأ عملية الإزهار".


سهيل زيدان

وأضاف أن "السبب الثاني يعود إلى ظاهرة المعاومة في شجرة الزيتون، وهي سمة طبيعية تجعل الشجرة تُنتج بغزارة في سنة، وتقل إنتاجيتها في السنة التي تليها. أما السبب الثالث فهو إهمال العناية بالكروم البعلية، وهي الكروم غير المروية التي تعتمد على مياه الأمطار، وذلك بسبب ضعف الجدوى الاقتصادية، إذ لم تعد الزراعة فيها مربحة، ما أدى إلى انخفاض الإنتاج بشكل حاد".

وأشار رئيس مجلس الزيتون إلى أن "تأثير الاحتباس الحراري لا يقتصر على كمية الإنتاج فقط، بل يمتد إلى نوعية الزيت وجودته، إذ ينعكس تذبذب كميات الأمطار على حجم الثمار ونسبة الزيت فيها".

وبيّن أن "نسبة الزيت في الصنف الصوري تتراوح بين 25 و30%، وهي أعلى مقارنة بصنف النبالي المحسّن وبعض الأصناف الأوروبية مثل البيكوال والأربكينا".

وأكد زيدان أنه "كلما كبرت حبة الزيتون، انخفضت النسبة المئوية للزيت داخلها، إلا أن كمية الزيت الفعلية تبقى تقريبًا ثابتة. أما في الأشجار ذات الإنتاج المكثف، فإن النسبة تنخفض نسبيًا بسبب زيادة حجم الثمار".

الكروم البعلية والمروّية

شرح المهندس الزراعي أن "كروم الزيتون في البلاد تنقسم إلى قسمين رئيسيين: كروم مروية تعتمد على الري المنتظم خلال الصيف، وتبلغ مساحتها ما بين 70 و80 ألف دونم، وكروم بعلية تعتمد على مياه الأمطار في الشتاء، وتبلغ مساحتها نحو 250 ألف دونم، وتشكّل معظم كروم الزيتون في المجتمع العربي".

وعن الفرق بين نوعَي الكروم، قال إنه "في الكروم المروية يستطيع الفلاح التحكّم نسبيًا بكمية المياه التي تحتاجها الشجرة للنمو والإثمار، بينما تعتمد الكروم البعلية كليًا على الأمطار، ما يجعلها أكثر عرضة لتقلّبات الطقس".

وحول إنتاجية الكروم هذا العام، أشار زيدان إلى أن "إنتاج الكروم البعلية لا يتجاوز 30% من المعدل المعتاد، في حين يبلغ إنتاج الكروم المروية نحو 45 إلى 50%، وهي نسب منخفضة مقارنة بالمواسم الجيدة. ومن جهة أخرى، فإن الزيت المستخرج من الزيتون المروي يحتوي عادة على نسبة زيت أقل (حوالي 22%) مقارنة بالزيتون البعلي، إلا أن جودته قد تكون أفضل من حيث النكهة والنقاء إذا توفّرت العناية المطلوبة بالشجرة".

ولفت إلى أن "جودة الزيت تعتمد أولًا على نظافة الكرم والعناية به، وعلى مكافحة ذبابة الزيتون، ثم على طريقة التخزين والعصر. وهناك عادة سيئة منتشرة في المجتمع العربي، وهي تخزين الزيتون في أكياس بلاستيكية لحين عصره، ما يُفسد الطعم ويُضر بالجودة، كما أن تأخير العصر يؤثر سلبًا في جودة الزيت".

الأصناف المزروعة في البلاد

وفي حديثه عن أنواع الزيتون المنتشرة، قال رئيس مجلس الزيتون إن "الصنف الصوري هو الأكثر شيوعًا في المجتمع العربي، ويُزرع أساسًا في الكروم البعلية، يليه النبالي المحسّن، فيما بدأت الأصناف المروية الحديثة، وهي أصناف أوروبية مثل البيكوال والأربكينا، تدخل تدريجيًا إلى الزراعة المحلية".

ونوّه زيدان إلى أن "الصنف الصوري هو الأكثر تكيّفًا مع مناخ البلاد، ويمكن تعزيز قدرته الإنتاجية إذا ما توفّرت كميات ريّ محدودة خلال الصيف".

انجراف التربة والحلول القديمة

وتحدث المهندس الزراعي عن الأساليب التقليدية التي كان يعتمدها المزارعون قبل مئة عام، قائلا إن "أجدادنا في السابق كانوا يبنون السلاسل الحجرية لجمع مياه الأمطار وتخزينها في التربة. هذه الطريقة تحافظ على رطوبة التربة بشكل طبيعي، بينما نواجه اليوم مشكلة انجراف التربة بسبب الحراثة الخاطئة أو رش الأعشاب بالمبيدات بدلًا من القصّ اليدوي".

وأوضح أن "ترك الأعشاب على سطح الأرض بعد قصّها يساعد على تغطية التربة ومنع تبخّر الرطوبة. علينا استخدام الوسائل المهنية للتأقلم مع الظروف القاسية التي فرضها التغيّر المناخي".

وشدّد زيدان على ضرورة تقليم الأشجار سنويًا، قائلًا إن "كل شجرة تحتاج إلى تقليم سنوي، فعندما تُجرح الشجرة تستجيب فيزيولوجيًا بإنتاج مزيد من الثمار كوسيلة للحفاظ على بقائها. أما الأشجار المُهملة، فلا تُثمر بالمستوى المطلوب، أو تكون ثمارها ضعيفة. ونرى مثالًا على ذلك في أشجار الزيتون القديمة في الأحراش، التي لم تعد تُنتج بسبب الإهمال، رغم أنها كانت في الماضي غزيرة المحصول".

الماكينات الحديثة في قطف الزيتون

وعن استخدام الماكينات اليدوية والكهربائية الحديثة في قطف الزيتون، نبّه زيدان إلى ضرورة استخدامها بحذر، مؤكدًا أنه "يجب على قاطف الزيتون أن يحافظ على الأغصان، لأن ذلك يؤثر على نمو الموسم المقبل. في الماضي، كان قاطفو الزيتون يضربون الشجرة بالعصي أثناء القطف، ما يؤدي إلى كسر الفروع ويجعل الموسم التالي شحيحًا".

وعن آلات هزّ الشجر بالجرّار، رأى أن "هذه الآلات مخصصة للاستخدام فقط في الكروم المروية، لأن هزّ الشجرة يقطع جزءًا من جذورها. لذلك، لا يُنصح باستخدامها إلا إذا كانت الشجرة تُروى مباشرة بعد القطف. أما في الكروم البعلية، فقد يؤدي الهزّ إلى ضرر دائم في الجذور".

وختم رئيس مجلس الزيتون حديثه بالتأكيد على أن الزراعة الواعية والعناية المتواصلة بالشجرة والتربة هي السبيل للحفاظ على هذا القطاع الحيوي، موضحا أن "الاحتباس الحراري واقع لا يمكن تجاهله، لكن يمكننا مواجهته بالعلم والخبرة، وبالعودة إلى بعض الممارسات القديمة التي كانت أكثر انسجامًا مع الطبيعة".