مقاطعة إسرائيل..عزلة اقتصادية متصاعدة وأوروبا تلغي صفقات ضخمة

مقاطعة إسرائيل..عزلة اقتصادية متصاعدة وأوروبا تلغي صفقات ضخمة

زمن برس، فلسطين:  تشهد إسرائيل مقاطعة واسعة وعزلة اقتصادية واستثمارية وتجارية متصاعدة مع استمرار حرب الإبادة على غزة، تمثلت في إلغاء دول صفقات ضخمة بمئات الملايين من الدولارات، وانخفاض صادرات دولة الاحتلال لدول العالم، وعلى رأسها الاتحاد الأوروبي وخاصة الرقائق، وإلغاء صفقات تسليح ضخمة مع إسبانيا ودول أخرى، وسحب شركات وصناديق عالمية للاستثمار أموالها من الشركات الإسرائيلية، ما يهدد الاستثمارات المباشرة داخل دولة الاحتلال ويعمّق أزمتها المالية والتجارية.

ووفق أحدث الأرقام، فقد سجلت صادرات إسرائيل من السلع إلى الاتحاد الأوروبي انخفاضاً ملحوظاً في الأشهر الأخيرة، لتصل إلى 36.8 مليار شيكل (11.11 مليار دولار) بين يناير/كانون الثاني وأغسطس/آب 2025، مُقارنة بـ 40.8 مليار شيكل (12.32 مليار دولار) في الفترة المُماثلة من العام الماضي، وفقاً لتقرير دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، الصادر أول من أمس الأحد.
وانخفضت الصادرات الإسرائيلية إلى الاتحاد الأوروبي في أغسطس الماضي بنسبة 25% لتصل إلى 3.5 مليارات شيكل (1.05 مليار دولار)، مُقارنة بـ4.7 مليارات شيكل (1.41 مليار دولار) في أغسطس 2024، بينما بلغت صادرات إسرائيل إلى الاتحاد نحو 15.9 مليار يورو عام 2024، ويرجح أن تنخفض القيمة مع نهاية العام الجاري.

صادرات أيرلندا

ونقلت، أمس، صحيفة غلوبس العبرية بيانات تؤكد أن صادرات الرقائق الإلكترونية إلى أيرلندا هي السبب وراء انخفاض صادرات إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي. وانتقدت إصرار "وزارة الاقتصاد والصناعة الإسرائيلية على اعتبار انخفاض صادرات الرقائق الإلكترونية إلى أيرلندا لا علاقة له بالوضع السياسي، بل مُتجذّر في التغيرات التي تشهدها سوق الرقائق الإلكترونية العالمية".
ومنذ بداية عام 2025، تراجعت صادرات إسرائيل إلى الاتحاد الأوروبي، إذ انخفضت في أيرلندا وحدها بأكثر من 50%. لا سيما على مستوى الرقائق الإلكترونية التي تُعدّ أهمّ سلعة تستوردها الدولة الأوروبية من إسرائيل، وتُصدّرها شركة إنتل (أكبر شركات التكنولوجيا متعددة الجنسيات في الولايات المتحدة) بشكل رئيسي من داخل دولة الاحتلال. علاوة على ذلك، شهدت الفترة نفسها زيادة في صادرات الرقائق الإسرائيلية إلى الولايات المتحدة، وازدياداً في الصادرات الإسرائيلية إلى ألمانيا، وِجْهة التصدير المهمة الأخرى لإسرائيل في أوروبا، إلا أن هذين العاملين لم يكونا كافيين لتعويض الانخفاض الحاد في صادرات أيرلندا.

وحسب تقارير دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، فإن الصادرات الإسرائيلية إلى أيرلندا انخفضت منذ بداية العام من 8.2 مليارات شيكل (2.47 مليار دولار) بين يناير وأغسطس 2024 إلى 3.9 مليارات شيكل (1.17 مليار دولار) فقط في الفترة المقابلة من عام 2025.

ورغم الصادرات إلى ألمانيا خلال الفترة نفسها التي حاولت سد الفجوة، فإن إجمالي الصادرات إلى الاتحاد الأوروبي انخفض بمقدار أربعة مليارات شيكل (1.2 مليار دولار). ويعزى ذلك أيضاً إلى انخفاض قدره مليار شيكل (302 مليون دولار) في الصادرات إلى قبرص خلال الفترة نفسها، وخاصة المواد الكيميائية.
ووفقاً لبيانات دائرة الإحصاء المركزية لشهر يوليو/تموز الماضي، فإن صادرات الرقائق الإلكترونية إلى أيرلندا انخفضت بشكل كبير: من 369 مليون دولار في يوليو 2024 إلى 40 مليون دولار فقط في يوليو 2025، أي بانخفاض يقارب 90%.
وبشكل عام، ووفقاً للأرقام التي أصدرها المركز، فإن صادرات "المكونات واللوحات الإلكترونية" (وخاصة الرقائق الإلكترونية) انخفضت بنسبة 22% منذ بداية عام 2025، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، من 15.9 مليار شيكل (4.8 مليارات دولار) إلى 12.4 مليار شيكل (3.74 مليارات دولار).

مقاطعة الشركات

وقالت صحيفة غوبلس العبرية إن بعض الشركات العالمية أصبحت تفضّل عدم التعامل تجارياً مع إسرائيل. وذكرت أن المشاعر تجاه إسرائيل في أوروبا تتراجع، بل "وطالبت دولٌ مثل أيرلندا وإسبانيا بفرض عقوبات أو إلغاء اتفاقيات، لم تُتخذ أي خطوات رسمية ضد إسرائيل حتى الآن".

وسبق أن أكد رئيس اتحاد الصناعيين الإسرائيليين رون تومر، أن "العلامة التجارية الإسرائيلية تضررت بشدة"، لدرجة أن إحدى الدول "الصديقة" طلبت إزالة اسم إسرائيل عن المنتجات خوفاً من ردّة فعل المستهلكين، وطلبت شركات أخرى محو أي صور تتعلق باجتماعات تجارية مع الشركات الإسرائيلية خشية تضررها في الأسواق العالمية بفعل حملات المقاطعة. وحذّر من أن الاقتصاد الإسرائيلي قد يعود سنوات إلى الوراء.
وفي هذ الصدد حذّر الأستاذ بكلية العلوم السياسية بجامعة تل أبيب، إيمانويل نافون، في حديثه لصحيفة غوبلس، من العزلة التجارية والاقتصادية العالمية للصادرات الإسرائيلية التي بدأت تتسع. وقال للصحيفة إنه "يمكن للاتحاد الأوروبي فرض قيود مثل تجميد البرامج، ووضع علامات على المنتجات المصنعة عبر الخط الأخضر". وقبل أسبوعين، تحدثت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون ديرلاين، عن تجميد اتفاقيات البحث والتطوير، لكن ذلك لم يُعتمد بعد".

إلغاء صفقات

من جهة أخرى، قالت صحيفة كالكاسيت، المتخصصة في الشؤون الاقتصادية، إنه بعد إعلان إسبانيا، مؤخراً، إلغاء صفقة تسليح ثالثة مع إسرائيل بقيمة 207 ملايين يورو (تخص شركة رفائيل العبرية)، حذّرت هيئة الصناعات العسكرية الإسرائيلية من أن هذه التطورات من شأنها أن تتطور لتجميدات مستقبلية لدول أخرى استجابة لموجة العزلة السياسية والاقتصادية التي تواجهها إسرائيل في أوروبا.
وسبق أن ألغت الحكومة الإسبانية عقداً في 15 سبتمبر/أيلول الحالي قيمته 700 مليون يورو، لشراء قاذفات صواريخ إسرائيلية التصميم، وقبلها في 9 سبتمبر ألغت أول عقد بقيمة 287.5 مليون يورو كان مخصصاً لشراء 168 قاذفة صواريخ مضادة للمدرعات.
وأفادت الصحيفة بأن هذه الخطوة أثارت قلق الصناعات الدفاعية بالفعل في إسرائيل، خاصة أنها جاءت متزامنة مع تعطيل شركة مايكروسوفت بعض الخدمات التي تستخدمها وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي، بعد أن خلصت مراجعة داخلية إلى وجود أدلة أولية تؤكد تخزين إسرائيل كميات هائلة من تسجيلات المكالمات الهاتفية من الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.
وكشفت تقارير صحافية اقتصادية إسرائيلية هذا الشهر عن معاناة مئات الشركات الإسرائيلية في مجالات متعددة، اقتصادية وتقنية وعسكرية، بسبب إلغاء العديد من دول العالم صفقات ضخمة معها، ما يهدد بخسائر كبيرة، وارتفاع البطالة في المصانع الإسرائيلية.

البحث عن أسواق جديدة

وأفادت صحيفة يديعوت أحرونوت في 15 سبتمبر الجاري بأن نصف المصدّرين الإسرائيليين فقدوا عقودهم، فيما تضررت صادرات 76% منهم، وسط مخاوف من تخفيض وكالات الائتمان مثل "موديز" تصنيف دولة الاحتلال، الأمر الذي يضر بالاستثمارات، مشيرة إلى تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن تفاقم عزلة إسرائيل الدولية.
هشاشة البنية التصديرية لإسرائيل شرَّحَها تقرير المكتب المركزي للإحصاء الإسرائيلي، وأوضح أن قرارات الشركات متعددة الجنسيات، مثل "إنتل"، يمكن أن تغيّر خريطة التجارة الخارجية لدولة بكاملها. وقد يدفع هذ الوضع تل أبيب إلى البحث عن أسواق جديدة في آسيا، لتعويض الفجوة الناجمة عن فقدان الحصة الأوروبية. 
الاتحاد الأوروبي 

وكانت المفوضية الأوروبية قد اقترحت في 24 سبتمبر/أيلول الحالي تعليق اتفاق تجاري مع إسرائيل بسبب الحرب في قطاع غزة، وهو ما سيؤثر في ما قيمته نحو 6.87 مليارات دولار من الصادرات الإسرائيلية، وفي حال حظي هذا الإجراء بدعم كاف من دول الاتحاد الأوروبي لإقراره، فإن التداعيات ستكون أعمق بكثير من مجرد تراجع في الصادرات. فالاقتصاد الإسرائيلي يعتمد على الاتحاد الأوروبي بوصفه ثاني أكبر شريك تجاري بعد الولايات المتحدة، وأي قيود على الصادرات التكنولوجية أو الكيماوية أو الزراعية ستترك أثراً مباشراً في الميزان التجاري.
ويشترط الاتحاد الأوروبي توافق الآراء أو أغلبية مؤهلة لاتخاذ معظم قراراته، لذا فإن التغييرات السياسية فيه عادة ما تكون بطيئة للغاية. ومع ذلك، يقول نافون: "في الدول ذات المواقف المعادية نسبياً لإسرائيل، مثل أيرلندا، من الممكن أن تفضل بعض الشركات فيها عدم التعامل التجاري المباشر مع إسرائيل، لأن ذلك يُسبب صداعاً من حيث الضغط العام، ونيابة عن حركة المقاطعة".
التأثير في الاقتصاد بإسرائيل لن يقتصر على التجارة السلعية فقط، بل سيمتد إلى قطاعات حساسة، مثل الاستثمار الأجنبي المباشر، والتعاون في مجالات البحث والتطوير، والتمويل الأوروبي لمشاريع الابتكار. وهذا قد يدفع بعض الشركات متعددة الجنسيات إلى إعادة تقييم وجودها في إسرائيل، أو حتى نقل مراكز نشاطها نحو أسواق أكثر استقراراً.

إقصاء شركات إسرائيلية

وقال صندوق الثروة السيادي النرويجي، في منتصف أغسطس الماضي، إنه قرر استبعاد ست شركات إسرائيلية ذات صلة بالضفة الغربية وقطاع غزة من محفظته الاستثمارية، وذلك بعد مراجعة أخلاقية لاستثماراته في إسرائيل. وأعلن الصندوق أنه باع حصصاً في ست شركات إسرائيلية أخرى.
وأكد الصندوق النرويجي، وهو الأكبر في العالم بإجمالي أصول قيمتها تريليونا دولار، أنه قرر التخارج من مجموعة معدات البناء الأميركية كاتربيلر، بالإضافة إلى خمس مجموعات مصرفية إسرائيلية لأسباب أخلاقية. وذكر الصندوق، في بيان، أن المصارف الإسرائيلية هي: هبوعليم، ولئومي، ومزراحي طفحوت، والبنك الدولي الأول لإسرائيل، وإف.آي.بي.آي هولدينغز.