ماذا وراء تأجيل المناورات الأميركية – الإسرائيلية؟!

حتى يوم الخميس الماضي، كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق، لإجراء المناورات الأميركية – الإسرائيلية، الأكبر على الإطلاق في تاريخ إجراء مثل هذه المناورات بينها، والتي تقررت قبل عامين، إلاّ أن هذه الاستعدادات توقفت فجأة بعد إبلاغ واشنطن تل أبيب بإرجاء إجراء هذه المناورات، تلقت إسرائيل هذا الخبر بكثير من الدهشة، ليس فقط لأن قرار التأجيل جاء مفاجئاً ودون تمهيد، ولكن لأن إسرائيل الطرف الثاني من هذه المناورات، لم يتم التشاور معها من جهة، وأن الخبر جاء غامضاً، لجهة كونه تأجيلاً أم إلغاءً، وانغمس الإعلام الإسرائيلي، كما المستويات الأمنية والسياسية، في تحليل هذه الخطوة المفاجئة، خاصة وأن الدواعي لهذا القرار لم تكن لتتعلق بالميزانية المحددة لهذه المناورات من ناحية، ولأن التبرير الأميركي – لأسباب عملياتية – غير مقنع، خاصة وأن الاستعدادات كانت قد بلغت ذروتها بشكل عادي ومن دون مواجهة أية عوائق، يضاف إلى أسباب هذا الذهول الإسرائيلي إثر القرار الأميركي، أن هناك لقاءً سيجمع بين رئيس قيادة الأركان الأميركية المشتركة مارتين دمباسي، ورئيس الأركان الإسرائيلي بني غانتس هذا الأسبوع في بروكسل على هامش مؤتمر رؤساء الأركان السنوي لحلف الناتو، ولقاء آخر سيجمع بينهما هذه المرة في إسرائيل بعد يومين من عقد لقاء بروكسل هذا، وكان بالإمكان التباحث حول مسألة تأجيل، أو حتى إلغاء المناورات المشتركة أثناء المباحثات بين الطرفين، وتكمن المفاجأة في هذا السياق تحديداً، حيث فهم، أن واشنطن تعهدت إلغاء أو تأجيل هذه المناورات، من طرف واحد ومن دون أن تستمع إلى الإسرائيليين بهذا الشأن.

بعد وقت قصير من المكالمة الهاتفية، صباح الخميس الماضي بين الرئيس الأميركي أوباما، ورئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو، وبالتزامن مع شجب وزارة الخارجية الأميركية عملية اغتيال عالم نووي إيراني آخر، وبالتزامن أيضاً مع ما نشرته وسائل الإعلام الأميركية عن تجنيد إسرائيل لعملاء إيرانيين تحت غطاء الاستخبارات المركزية الأميركية، جاء القرار الأميركي بتأجيل وربما إلغاء المناورات المشتركة التي وكما سبق وأشرنا، أنها تقررت منذ عامين، والتي وصفت بأنها الأكبر بين الجيشين وبمشاركة ثلاثة آلاف من الجنود الأميركيين، وتشمل إطلاق أنواع جديدة من الصواريخ المضادة للصواريخ وأنظمة أقمار صناعية لحروب المستقبل.

بعض المحللين العسكريين في إسرائيل، أعاد هذا القرار الأميركي المفاجئ بوقف المناورات قبل أن تبدأ، كما كان مقرراً في النصف الثاني من العام الجاري، إلى أن واشنطن خشيت من أن تستغل إسرائيل وجود هذا الحشد العسكري الأميركي، أفراداً وعتاداً جوياً وبحرياً، لتقدم على توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، وبحيث يبدو الأمر وكأنه هذه الضربة هي أميركية – إسرائيلية مشتركة، ما دفع بواشنطن إلى النأي عن نفسها عن مثل هذا الاحتمال، وحتى لا تتحمل مسؤولية المغامرة الإسرائيلية التي لا تزال واشنطن تحاول منعها بكل وسيلة ممكنة.

وليس ببعيد عن هذا الاحتمال، أبرزت بعض التحليلات أسباباً قريبة من هذا التحليل، بالقول إن الإعلان الأميركي المفاجئ بتأجيل المناورات المشتركة، ما هو إلا إشارة أميركية واضحة، ورسالة موجهة إلى إيران تحديداً، من أن واشنطن لا تزال ترى أن لا حل عسكرياً في الوقت الراهن، وأنها تفضل العقوبات والحوار، وأن هذا التأجيل هو دعوة لخفض التوتر بين الولايات المتحدة وإيران، إلاّ أن هذا التحليل اعتمد بشكل رئيس على ما قدمته وسائل الإعلام الأميركية من تحليل للقرار الأميركي، والذي يعود حسب هذه الوسائل إلى 'رسالة تبريد' أميركية لإيران، بهدف إيجاد مناخات أفضل تهيئ لحوار بين طهران وواشنطن، إثر الحديث عن إغلاق مضيق هرمز من جهة، ورفض بعض القوى الدولية الحليفة لواشنطن، سعي هذه الأخيرة، لعقوبات جديدة تتضمن وقف استيراد النفط الإيراني، إذ تبين أن الولايات المتحدة، أقل المتضررين من هذه الخطوة، بينما تتضرر معظم دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك دول جنوب شرقي آسيا، التي تعتمد، خاصة اليابان، على النفط الإيراني بشكل رئيس لإدامة سير الاقتصاد والطاقة والصناعة، الأمر الذي أعاق واشنطن عن اتخاذ قرار بهذا الشأن، خارج مجلس الأمن، حيث يقف الفيتو الروسي بجانب الفيتو الصيني في مواجهة مثل هذا القرار.

صحيفة 'وول ستريت جورنال' تحدثت هذا الأسبوع عن سلسلة كابحة للجماح نقلها مسؤولو إدارة أوباما إلى إسرائيل، بهدف منع هجوم إسرائيلي، وذلك بانتظار نتائج العقوبات التي تقول واشنطن إنها بدأت تثير الرأي العام، وتحدث شرخاً في قمة نظام الحكم، والتذكير بأن الانتخابات البرلمانية الإيرانية ستجري بعد شهرين، في آذار القادم، وأن احتمالات اتخاذ أية ضربة، أو تهديد جدي، وسيلة لكي يتهرب نجاد من هذه الانتخابات، ذلك أن اتجاهات الرأي العام في إيران، تشير إلى أن الانتخابات القادمة في إيران، ستشكل مفصلاً متناقضاً مع تطلعات نجاد، وأنها من الممكن أن تستثير الرأي العام من جديد، كما حدث إثر الانتخابات البرلمانية السابقة، ما يدفع إلى تغيير داخلي يوفر على الأطراف الدولية القيام بحسم الموقف ووقف البرنامج النووي الإيراني، سواء من خلال العقوبات، أو من خلال ضربة عسكرية، وإقدام إسرائيل على أية خطوة باتجاه ضربة ضد إيران، لن تكون مؤثرة تماماً، وستعيد طهران برنامجها من جديد، إلاّ أن الاعتماد على الوضع الداخلي لوضع حد، ما أمكن، لهذا البرنامج، هو الأضمن ومن دون حروب، ستؤثر على خريطة المنطقة الأكثر حيوية للاقتصاد العالمي، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة، مع أن واشنطن تأخذ بالاعتبار أن التهديدات الإسرائيلية، تسهم في توتير الوضع الداخلي الإيراني من ناحية، لكنها بالمقابل، ونظراً لحساسية الدور الإسرائيلي، فإن ذلك قد يوحد كل إيران، وهو أمر غير مرغوب فيه إذا كانت المراهنة على تصدع داخلي، يدفع باتجاه عدم الاستقرار وتأجيل الجهود نحو البرنامج النووي العسكري الإيراني.

الولايات المتحدة، تخشى من أن يشكل أي احتكاك في الخليج العربي، وبخاصة في مضيق هرمز، مع القوات الإيرانية، إلى تفجير الوضع مع إيران، التدخل الإسرائيلي، بأي شكل، سيجعل المواجهة أكثر صعوبة، وكما حدث أثناء المواجهة الدولية بقيادة الولايات المتحدة مع العراق، أثناء حرب الخليج الثانية إثر احتلال العراق للكويت، وإصرار أميركا على أن تقف إسرائيل، ولو علناً، على الحياد، ومن دون أن تستخدم الرد على الصواريخ العراقية التي طالت بعض المدن الإسرائيلية، الأمر يتكرر مبكراً هذه المرة في التوتر مع إيران، إذ إن إسرائيل وموقفها، تشكل محوراً مؤثراً في نتائج أي صراع عسكري، وبالتالي على الدور الإسرائيلي أن يتلاشى مع أي تفجير عسكري في هذه المنطقة الأكثر توتراً وحساسية، وانعكاساً على مصالح المتجمع الدولي، خاصة المجمعات الصناعية الكبرى.

'التحدي الجدي 12' وهو اسم المناورات الأميركية – الإسرائيلية المشتركة التي تم تأجيلها، كان يمكن أن تشكل عرضاً للعضلات في مواجهة تهديدات إيران بإغلاق مضيق هرمز، إلاّ أن ذلك، من جهة ثانية، سيوفر عرضاً للعضلات من قبل إيران، تتوحد فيه قيادات النظام، مع المعارضة والشعب، في مواجهة العرض الأميركي – الإسرائيلي، وهو الأمر الذي حاولت واشنطن استبعاده من خلال الإعلان عن تأجيل هذه المناورات، التي ستظل إسرائيل تبحث عن الأسباب الحقيقية وراء هذا القرار، والذي يأتي في إطار سياقات واستحقاقات متباينة ومتقاطعة!

Hanihabib272@hotmail.com

www.hanibabib.net